ماذا تفعل فرنسا، هذه الأيام، في لبنان، وماذا تريد منه وفيه؟!
وهل هي حركة في الفراغ هذه التي يقوم بها، بشكل محموم، سفير فرنسا في ما بين أطراف الصراع المسلح في “الشرقية”، ثم بين المتمردين والخارجين على الشرعية هناك وبين الحكم في “الغربية”؟
وأين موقع التصريح الملفت الذي أدلى به سفير فرنسا في دمشق، أثر خروجه من لقاء نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام، قبل أيام ثلاثة، والذي تحدث فيه عن “التطابق” في الموقفين الفرنسي والسوري من اتفاق الطائف الخاص بلبنان؟!
هل تبدل الموقف الفرنسي، فعلاً، من اتفاق الطائف، فانتفى منه الغموض والالتباس؟ وإلى أي حد وقع التبدل، وبأية وجهة، وما هي المبررات؟!
… علماً بأن أي تبدل جدي من شأنه أن يخسف الأرض بالصديق الوحيد المتبقي للفرنسيين في لبنان: جنرال التعتيم ميشال عون؟!
فباريس حاولت، ومنذ اليوم الأول، أن تقدم نفسها عبر موقفين متناقضين تماماً: أعلنت إنها مع اتفاق الطائفي، لأنها لم تكن تستطيع المجاهرة برفضه، ولكنها ظلت على تأييدها للقائل بإسقاط هذا الاتفاق، بطل “حرب التحرير” الجنرال عون!
كيف تمكن قراءة هذا التطور، أو التبدل الذي يستدعي أو ينتج عنه أو هو يُنتج تبدلاً موازياً في الموقف الأميركي، باعتبار الصراع المكشوف الدائرة رحاه بين باريس وواشنطن على الحلبة السياسية لبيروت المشطورة نصفين، بل نصفاً وربيعن إذا ما لحظت نتائج الحرب على “الشرقية التي لما تنته؟
بمعنى آخر: هل تقترب فرنسا من “روح” اتفاق الطائف، عبر دمشق، بمقدار ما تتخلى الولايات المتحدة الأميركية عن “نص” هذا الاتفاق للضغط على دمشق؟!
هل صار “راس” ميشال عون الثمن الذي تحاول فرنسا تقديمه لتدخل إلى نسخة جديدة ما من اتفاق الطائف، أم هو حصان طروادة الذي تدخل به إلى الاتفاق لنسفه، نكاية بالأميركيين الذين لم يلحظوا لها حصة فيه؟!
وهل صار “موقع” سمير جعجع، وما يمثله، في “الجمهورية الجديدة” هو الشرط الأميركي الجديد، أو هي “الإضافة” الأميركية على اتفاق الطائف المعلق تنفيذه في انتظار حسم الصراع بين “الجنرال” القائل بقتله وبين “الحكيم” المتحايل لإفراغه من مضمونه الاصلاحي المحدود؟!
أليس ملفتاً أن يلجأ بعض نواب الطائف إلى سلاح النصاب في مواجهة الشرعية بما يعطل أو يؤخر أو يعلق إقرار التعديلات الدستورية التي تجعل الاتفاق قاعدة للحكم وصيغة له، أي بما يخدم “موقع” سمير جعجع في الصراع على “الشرقية” كما في صراعه المفتوح مع الشرعية؟!
هل ميشال عون هو آخر النماذج الفرنسية للمارونية السياسية، بطبعتها القديمة؟!
وهل سمير جعجع هو “أكمل” نموذج أميركي للمارونية السياسية، بطبعتها الجديدة؟!
وأين موقع، الياس الهراوي، الرئيس الماروني الآتي باسم الطائف في خريطة الصراع؟!
وهل بين شروط اعتماد الحل أن تدخل إليه نسبة من “الإسرائيلية” توازن فتعطل الدور العربي الذي تتولاه – على الأرض – سوريا، بمباركة اللجنة العربية العليا التي تحظى بتأييد أميركي مكنها من إنجاح لقاء الطائف وإنجاز اتفاقه “التاريخي”؟!
لكأن واشنطن تحاول أن تفرض سمير جعجع ممثلاً للطبعة الأميركية (الإسرائيلية) من المارونية السياسية ، ليس فقط في “الشارع المسيحي”، بل في صيغة حكم “الجمهورية الجديدة”!
لكأن واشنطن تبتز سوريا واستطراداً الشرعية في لبنان، عن طريق تضخيم دور جعجع – وما يمثل – في القضاء على ميشال عون، وجعله الصوت المرجح للشرعية، ومنحه حق النقض “الفيتو” في “العهد الجديد”، بوصفه الوكيل المعتمد (أميركياً) للمارونية السياسية وربما لمسيحيي المشرق؟!
ولكأن فرنسا تحاول ابتزاز سوريا ، واستطراداً الشرعية في لبنان، عن طريق تقديم نفسها كمتعهد إنهاء دور ميشال عون بأقل الخسائر الممكنة، أي تعديل اتفاق الطائف بما يستبقي لها دوراً في لبنان المستقبل بموافقة اضطرارية من “عراب” الاتفاق: الولايات المتحدة الأميركية.
وهكذا فإن واشنطن تحاول بيع الشرعية (ومن خلفها سوريا وسائر العرب) جلد ميشال عون بثمن باهظ يدخل إسرائيل طرفاً رسمياً في المعادلة السياسية اللبنانية، بكل أبعادها العربية،
وباريس تحاول بيع الشرعية (ومن خلفها سوريا وسائر العرب) جلد ميشال عون بثمن أقل من الأميركي ولكنه يبقى باهظاً: الابقاء على دور فرنسي في لبنان كعنصر توازن بين حصة العرب فيه وبين حصته الغرب… وهو دور سيخصم بالتأكيد من حصة العرب، وأساساً من حصة الوطنيين في لبنان ومن هويته وانتمائه ودوره القومي ، خصوصاً وإنه لن يؤثر بل هو سيستفيد من الدور الإسرائيلي فيه.
… وفي انتظار أن يتنبه أهل الطائف لهذا الصراع، وأن تتمكن الشرعية من مواجهة نتائجه، ليس على اللبنانيين إلا أن يتسلوا بمتابعة النشاط المحموم للسفير الفرنسي وهو يحاول أن يستبقي “للأم الحنون” دوراً ما لدى الطائفة العظمى التي باتت تتحدث الإنكيليزة بطلاقة محتفظة بالفرنسية لغة لآداب المائدة والبروتوكول وطاولة القمار.
*عيدنا… الغد الأفضل
بهذا العدد تختتم “السفير” سنتها السادسة عشرة،
ومع صباح الاثنين، السادس والشعرين من آذار، تبدأ “السفير” ربيعها السابع عشر،
من قلب الأحزان نقول لكم: كل عام وأنتم بخير.
من وسط الحطام نقول لكم، إن الحرب لم تمنع الربيع الجديد من أن يجيء، وهي لن تستطيع وقف مسيرة الحياة.
وسنبقى معاً، وسنعمل معاً، وستحاول “السفير” أن تكون بشارة الغد الأفضل.