طلال سلمان

على الطريق استعراض ما قبل القمة..

مع اقتراب موعد القمة – المفصل تتوالى إلى حلقات “الاستعراض الكبير”، بامتداد المنطقة جميعاً، وصولاً إلى واشنطن ذاتها التي لها أكثر من وجه وأكثر من لسان وأكثر من خطاب.
كل طرف من الأطراف المعنية يحاول أن يستحضر نفسه أو يذكر بنفسه أو يفرض نفسه على اللقاء العتيد بين الرئيسين الأميركي والسوري.
البعض يعتمد المناورة بالذخيرة الحية، كما تفعل إسرائيل في جنوب لبنان وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو كما تتحرك أدواتها – المتحالفة الآن علناً مع شريكها في اتفاق غزة – أريحا – للتشويش في بيروت ومناطق أخرى (الحوادث ذات الطابع الطائفي في غيير منطقة، تفجير بيت الكتائب، التعديات ذات الطابع العنصري الخ)..
والبعض يعتمد سياسة الالتفاف والتطويق كما يفعل الحكم الأردني، حتى لا يدفع ثمن اتفاق غزة – أريحا مرتين.
والبعض الثالث يعيد وصل ما انقطع مع ياسر عرفات، بتوقيت مدروس، كما فعل الحكم السعودي، ليقول إنه عنصر توازن مضاد ، إذا دعت الحاجة، وليقدم نفسه كاحتياطي استراتيجي للأميركي على حساب الطرف الآخر، العربي، في القمة المرشحة لأن تكون فاصلاً بين تاريخين.
أما على مستوى التنظيمات والمنظمات فكل يحاول أن يثبت حضوره على طريقته وبأسلوبه الخاص ووفق إمكاناته، بدءاً بالأعلام وانتهاء بالعمليات العسكرية.
ولا بد من تسجيل بعض الملاحظات حول أساليب المنظمات عموماً، وبالتحديد ما اتفق على تسميته بالحركات الأصولية التي ترفع راية الإسلام وتدعي النطق باسم أحكامه:
• أولى الملاحظات: حول الضياع المقلق الذي تعيشه الكثير من هذه الحركات والذي يدفعها إلى الغلط في الهدف وفي التوقيت وفي الوسيلة.
يكفي كمنال أن نستشهد ببعض التحرشات الطائفية التي تقع في صعيد مصر، والتي يشن فيها بعض المتعصبين المغلقي القلب والبصيرة والبصر غاراتهم ضد أخوتهم وشركائهم في الأرض والمصير (الأقباط).
هذا في الوقت الذي ينبري المرجع الأعلى للأقباط البابا شنودة لتوكيد الموقف المبدئي للكنيسة الأرثوذكسية، معترضاً على اعتراف الفاتيكان المتعجل بـ إسرائيل “كدولة للشعب اليهودي”، مضفياً عليها – وباسم الكنيسة الكاثوليكية – صفة المرجعية الدينية والزمنية لكل يهود الدنيا، من البولونيين إلى الأزديين والخزر وانتهاء بالفالاشا الأحباش، مروراً باليهود الغرب!
وصحيح إن هذا الموقف ليس جديداً وليس مستغرباً صدوره عن البابا شنودة وعن الكنيسة القبطية خاصة، لكن توكيده في هذه اللحظة بالذات يتجاوز دلالاته كموقف مبدئي ليصب سياسياً في صميم مصلحة القضية الوطنية والقومية.
وبهديهي أن يستذكر الإنسان والحالة هذه الموقف المتهالك لرجال الدين المسلمين في مفتي السلطة، في مصر خاصة، وبينهم شيخ الأزهر، ومفتي الجمهورية، وهم يندفعون وراء سقطات الحكم، فيبررونها ويزكونها ويضفون عليها – زوراً – طابع تحقيق مصلحة الناس، مستخدمين من الآيات الكريمة ومن الحديث الشريف نصوصاً مجتزأة أو مقطوعة عن جذورها لتحليل ما هو حرام وتحريم ما هو حلال..
وبديهي أيضاً أن يقيس الإنسان بالمسطرة نفسها دلالات التوقيت المدروس جيداً للتحرك الفاتيكاني في اتجاه إسرائيل، ومن ثم مضمونه المؤذي ليس فقط للعرب وحقوقهم في أرضهم، ومن ضمنها القدس ا لشريف وسائر الأماكن المقدسة، بل للمكانة المتميزة التي يتمتع بها الكرسي الرسولي، وحتى لمسألة “العملية السلمية” التي يساق إلى تأييدها شكلاً وبتوقيت يؤذي فعلياً أهدافها المعلنة: السلام الشامل والعامل.
• ثانية الملاحظات: وتتصل بالمسلك الراشد، سياسياً، الذي اعتمدته وتعتمده القوى الأصيلة في الانتفاضة المجيدة داخل الأرض المحتلة، وأساساً حركة “حماس”.
ففي حين طاشت بعض الحركات المتطرفة والمجهولة المنبت والمشبوهة المقاصد، في كل من مصر والجزائر، عن أهدافها الحقيقية، وخلطت بين العدو والخصم وبين الحليف والصديق، وبين العابر والثابت، وبين المؤثر والهامشي، فإن القوى الأصيلة في الانتفاضة تصرفت وتتصرف بوعي ملحوظ يمكنها من تحديد العدو ومعرفته بدقة وحصر المعركة ضده وضدده فقط، حتى لا يتشتت الجهد ويضيع… وهكذا فهي قد جنبت شعب فلسطين حتى هذه اللحظة، وبرغم طوفان الخطايا والخطأ، ويلات الحرب الأهلية والاقتتال الداخلي.
• ثالثة الملاحظات: حول ضرورة التمييز الدقيق في الخطاب السياسي، فالعدو واحد، والصراع معه مفتوح، لكن الخصم السياسي الداخلي الوطني أو القومي قد يكون متعدد التيارات، لكنه في كل الحالات، وبكل شعاراته، ضروري في معركة المصير، وهو حليف سياسي محتمل غداً حتى لو باعدته الطروحات الظرفية والتي تفرضها مقتضيات إثبات الوجود وانتزاع الاعتراف بمشروعيته وبحقه في المشاركة.
الصراع مع الخصم السياسي يجب أن يظل في إطار الصراع الديموقراطي السلمي، وهذه مسؤولية مشتركة، على الحاكم أولاً وعلى المعارض ثانياً.
أما الصراع مع العدو، ومن أجل التراب الوطني، فهو وحدة الذي يبرر، وقد يفرض اللجوء إلى السلاح.
إن كل هذه القوى تحاول أن توصل نفسها إلى جنيف.
البعض يحاول أن يشاغب على الرئيس السوري حافظ الأسد، لأنه يكره أن يصل إلى لقائه كبيراً بما قد يحرج علاقات الرئيس الأميركي مع إسرائيل، أو “يصغر” حلفاء واشنطن من الحكام العرب في نظرها وفي دورهم.
والبعض الآخر يحاول تحريض كلينتون مصوراً له أن الرئيس الأسد لا يمثل إلا سوريا، في حين أنه في هذه اللحظة بالذات يمثل كل العرب، أو من تبقى منهم، وسوريا هي بعضهم فحسب.
وستجري مياه كثيرة وبعض الدماء أيضاً، قبل الوصول إلى القمة – المفصل.

Exit mobile version