من قال إن الكتائب معادية للعرب وللعروبة؟
إنها، بشهادة تصريحات رئيسها وكتابات صحيفتها، غير ذلك. هي”انتقائية” فحسب، وليست معادية بالمطلق.
إنها تنتقي أصدقاءها من “العرب”، وتنتقي نمطاً معيناً من “العروبة”. هذا كل ما في الأمر.
من العرب تختار، مبدئياً، الحكام. ومن الحكام الأغنى، ومن الأغنى الأكثر تخلفاً وانغلاقاً ومهادنة للاستعمار بل وضلوعاً في العلاقة معه.
أي إنها تختار، مبدئياً، اليمين فإذا وجدت “يمين اليمين” تعاظمت سعادتها، ومن “يمين اليمين” تنتقي الأكثر رجعية ممن تستفزه كلمات “هدامة” المعاني مثل وطنية وتقدمية ويسارية وماركسية ناهيك بشيوعية الملحدين والعياذ بالله.
وفي الأزمة الأخيرة اجتهدت الكتائب لتصوير المجازر والمذابح التي تسببت فيها أو شاركت في تنفيذها، وكأنها ضرورات كريهة على نفسها ولكن واجبها في حماية لبنان من “خطر انقلاب شيوعي داهم” جعلها لا تتردد في الإقدام عليها والتصدي لإحباطها… بالدم!
وعلى هذا فقد توجهت الكتائب إلى “عربها” تطالبهم ليس فقط بأن يغفروا لها ما ارتكبته، بل كذلك أن يناصروها في معركتها الضارية ضد المد الشيوعي الذي يتهدد لبنان والأقطار العربية الأخرى، وعروشهم وكراسيهم بشكل خاص.
وحدث العجب العجاب: صدق بعض هؤلاء “العرب” المقولة الكتائبية عن صراع اليمين واليسار، وعميت أبصارهم عن رؤية الدم “الفلسطيني” في أرض المعركة التي “أنقذت” لبنان من الاجتياح الشيوعي!
وكان طبيعياً أن تستقوي الكتائب بهذا الموقف “العربي” المتخاذل بل والمتواطئ – عملياً – معها، وأن تشهره بوجه الحركة الوطنية في لبنان والمقاومة الفلسطينية في آن واحد.
ولأكثر من يوم، خرجت صحيفة الكتائب وفيها من الحماسة للعروبة وللعرب – إياهم – أكثر مما فيها من “الشوفينية اللبنانية” الذائعة الصيت… ووصل بها الأمر إلى حد استعداء السلطة اللبنانية ضد بعض الصحف “المارقة” التي تتهجم على المقامات العربية.
وكانت المفارقة الغريبة، بل الطريفة، أن تساوي “العمل” بين مصر وسوريا والأردن والسعودية، فتدافع عنها جميعاً لتوهم إنها متفاهمة معها جميعاً… فلما حددت سوريا موقفها بوضوح، سياسياً (عبر المفتي وجنبلاط) وإعلامياً (عبر ما نشرته صحيفة “البعث”)، ارتدت عليها “العمل” بوابل من الشتائم المقذعة، ورأت في ما قالته موقفاً لكاتب، أو لصحيفة، أو ربما للحزب، لكنه ليس موقفاً للرئيس حافظ الأسد بل هو موقف ضده وضد الدولة!
كذلك فإنها أبدت شيئاً من التحفظ تجاه الموقف المصري، حين سرت أنباء تفيد أن القاهرة عدلت موقفها الخاطئ أو هي في صدد تعديله،
والشيء ذاته حصل بالنسبة للسعودية حين بلغ الكتائب أن ثمة تحولاً في موقفها بعدما “حق الحق وزهق الباطل” واكتشفت أن الصراع ليس بين اليمين واليسار بل هو صراع ديني! وبالتالي فموقفها منه بغير حاجة إلى مناقشة أو تحديد.
ولا يهمنا هنا أن نتساءل عن “عروبة” الكتائب،
يهمنا أولئك الحكام العرب الذين قدموا للكتائب ما هو أخطر من السلاح والذخيرة: قدموا إليها منطقها القائل أن تصديها للمقاومة وحربها ضد الحركة الوطنية في لبنان لا يتعارض مطلقاً مع “عروبتها” بل لعله تحقيق لها!
والكتائب، أخيراً، لم تقل في العقيد معمر القذافي وليبيا، مثلاً، بعض ما قاله الرئيس أنور السادات، وأخطره إن الأموال الليبية الطائلة كانت تنفق لكي تستأنف المعارك في لبنان، كلما استتب الهدوء فيه.
واحتجاجنا ليس على أن واحداً من العرب قد اختار الكتائب حليفاً أو صديقاً،
احتجاجنا وموضع استغرابنا أن يقرر أي عربي، إن ذبح المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في لبنان إنما يتم بأيد عربية، بينما الكتائب ذاتها لم تنف التهمة بل فاخرت ولا تزال تفاخر بها.