إذا صدقنا إذاعات الطوائف وتصريحات أمراء الكلام باسمها، فإن مصيرنا، حياتنا، أرزاقنا، أرواحنا، مستقبل وجودنا، كل ذلك معلق بمجيء موفد أميركي جديد ومعه الحل السحري لمعضلاتنا جميعاً.
ولقد استنفرتنا إذاعات الطوائف وجعلتنا نرفع رؤوسنا… في انتظار الطائر الميمون الحامل الموفد المبارك الآتي باسم “الرب” الأميركي، حاملاً صورة العهد الجديد ورئيسه المرتجى!
وماذا نريد أكثر من رئيس قوي وقادر يحمل على جبينه تلك الدمغة الباهرة Made in U.S.A، أي صنع في الولايات المتحدة الأميركية؟!
… فإذا ما كفرنا بالنعمة، واستغنينا بأنفسنا وبالجغرافيا وبالحقائق الأساسية لحياتنا البسيطة، فلسوف نلقى العقاب الصارم: سنؤخذ إلى الحرب، وسنحرق في نارها حتى آخر رجل فينا، لنكون عبرة لمن اعتبر!
وهي لن تكون حرباً واحدة، بل مجموعة من الحروب يلد بعضها بعضاً، حتى تزول سوريا عن وجه البسيطة، وتندثر آخر معالم النضال القومي في فلسطين من أجلها، ويصمت آخر صوت ينادي بوطن للديمقراطية والعروبة والعدالة في لبنان!
للمناسبة، عليك أن تحدد موقفك بوضوح: هل أنت مع نائب الرئيس بوش أم مع اليوناني الوسيم دوكاكيس؟!
ثم، طالما إنهم سينتخبون عما قريب، وفي مدى ثلاثة شهور لا أكثر، رئيساً جديداً عظيماً (بالتأكيد) للدولة العظمى، الولايات المتحدة الأميركية، فلماذا تحرق أعصابك وتسهر مؤرقاً، وتسرح بأفكارك البائسة تفتش عبثاً عن مخرج لازمة اختيار رئيس في لبنان؟!
إنهم، هناك، سينتخبون رئيساً للعالم الحر كله، بل ربما للعالم كله، نتيجة للوفاق الدولي المتحقق حديثاً، فلماذا تعب القلب والعراك من أجل رئيس لجمهورية لا تتجاوز بعدد سكانها حياً في نيويورك، ولا بمساحتها محيط واحدة من المدن الأميركية الكبرى؟!
ألا يكفيك سمبسون؟!
للمناسبة: أليس لطيفاً، المستر سمبسون؟! وهل صدر عنه في أي يوم ما يخدش حياء السيادة أو ما يمس شرف الاستقلال في لبنان؟!
لنتحدث بصراحة…
صحيح إنه سمى “الرئيس المفضل” أميركياً للشعب اللبناني،
وصحيح إنه بلغ “المعنيين” بأن انتخاب فلان أو علان تجاوز للخط الأحمر الأميركي،
وصحيح إنه أعطى علامات للمرشحين البارزين، فأحزن بعضهم لأنه حرمه من “المعدل”، وافرح البعض الآخر لأنه أبقاه “قيد الدرس”،
ولكنه لم يتدخل قط لإفساد اللعبة الديموقراطية، بل هو قصد إلى المقر المؤقت للمجلس النيابي الممدد لنفسه، فجلس كما الملاك ينتظر اكتمال النصاب ليعود فيخبر زوجته بمتعة أن تتفرج على انتخاب رئيس الجمهورية… لكن الفرصة لم تتم، فعاد محبطاً، وهو منذ ذلك اليوم صامت لا يقول شيئاً حتى لا يساء التفسير والتعليل، وثمة من يفكر بعرضة على طبيب نفساني، تخوفاً من أن يكون قد أصيب بعقدة “الرئيس”، وهي أخت رأس عقدة أوديب الملكية!
بصراحة أكثر، يمكن القول إن سمبسون يحب (او هو يفضل) الجنرال، ولكن هذا موقف شخصي لا أكثر!
ويمكن القول، ربما، إن سمبسون لا يحب (أو هو يفضل الابتعاد عن) الرجال المتقدمين في السن كالرئيس سليمان فرنجية.. ولكن المشكلة ناجمة عن خلل في الترجمة، بدليل إن لا مشكلة للمستر سمبسون مع كل أولئك الذين يتقنون اللغة الإنكليزية باللكنة الأميركية “ذات النكهة المميزة” مثل المارلبورو!
إن لبنان صغير إلى حد أن سمبسون يكفيه،
فإذا ما استشعر اللبنانيون الكبر، على طريقة “ها لكم أرزة العاجقين الكون” فإن رئيسهم هو ذلك الذي في البيت الأبيض بواشنطن..
ومع مثل هذا الرئيس يستحيل وجود مشاكل من نوع الاصلاح السياسي، أو حقوق الطوائف، أو مطلب المشاركة، أو أسطورة الوفاق وعلاقته بالاستحقاق (للمناسبة: هل ثمة علاقة بين الكلمتين غير تكرار حرف القاف؟!).
كذلك مع مثل هذا الرئيس لا مجال للخوف، وبالتالي لا حاجة للضمانات أو الامتيازات، ولا موجب للخوف من خوف الخائفين، فهاهم البيض والسود يعيشون جنباً إلى جنب في الولايات المتحدة، لا الأبيض يخاف من شعور الأسود بالغبن والانسحاق، ولا الأسود يخاف من طغيان الأبيض أو من امتيازه عليه باللون، وبالتالي بالمكانة، فهذا قدر الله وإرادته، جل جلاله؟!
أم إن لديك اعتراضاً على إرادة الخالق الذي وزع الألوان (والأزراق) بين البشر لحكمة لا يدركها الاه، سبحانه وتعالى؟!
حسن… إن كان لك اعتراض فشارك في إضراب يوم الجمعة التحذيري، إذا أنت استطعت أن تعرف الهدف منه، أو لماذا أعلن وضد من على وجه التحديد؟!
لا تمزح… أترى فيه، فعلاً، الرد على تدخل المستر سمبسون؟!
لا بأس.. سنطلب من المستر سمبسون أن يشارك فيه، وأن يصدر بياناً بالتأييد المطلق للإضراب المفتوح، فماذا تريد أكثر؟!
… بشرط، أن يشمل إضرابكم موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وكونوا الأولين في التاريخ الذين لديهم جمهورية ولا رئيس أو رئاسة، لا حكم ولا حكومة،
أليست فكرة أوريجينال؟!
إن لبنانكم هذا ولادة للمواضيع والأخبار والحكايات الطريفة!
ولبنانكم الصغير يتسع لعشر جمهوريات أو يزيد، فلماذا لا تصيروا، مثلنا، ولايات متحدة ولو برؤساء مختلفين؟!
ثم من قال إنهم مختلفون؟!
على الأقل هم يتفقون على إظهار مشاعر الصداقة لمستر سمبسون، ويطلبون نصائحه باستمرار، ويعملون بها،
وطالما إنهم متفقون معه فلا خطر من الخلاف، فلا تقلقوا.. O.K.؟!
… فـ “ارفع رأسك يا أخي”، لكي تكون أول من يرى فيبشر بوصول الطائر الميمون الحامل الموفد المبارك الآتي بالحل السحري لمعضلات لبنان والمنطقة،
إياك أن تغفل أو تسهو أو تغمض عينيك فتتجاوزك ليلة القدر، وتبقى وحيداً في مواجهة خيار الحرب الأميركية – الإسرائيلية ضد لبنان،
ومثل هذه الحرب تحتاج أكثر من الإضراب التحذيري!
فالانقلاب الكتائبي الذي جاء به غزو إسرائيلي معزز بدعم أميركي مفتوح لن يسقط بإضراب تحذيري لن يثشارك فيه معلنوه وسيتحمل نتاجئه أولئك الذين لا يعرفون المستر سمبسون ولا يعملون بنصائحه.
فلنأخذ الأمور على محمل الجد، ولنحضر أنفسنا للاحتمال الأسوأ،
فإذا ما استكملنا عدتنا ، وعلى المستويات كافة، فإننا سنستطيع مواجهة الحرب المفروضة علينان
وإلا خسرنا الحرب ولم نربح السلام، وخسرنا الرئاسة ولم نكسب الرئيس، وخسرنا الوطن ولم نربح الكيان أو النظام ولا حمينا ما تبقى من صيغته الفريدة،
فلنقرر، أولاً، الموقف من المستر سمبسون،
وبعدها يكون لكل حادث حديث… O.K.؟!