طلال سلمان

على الطريق عن إسرائيل و”الإسلاميين” والأميركان!

يلح الإسرائليون على نفخ أسطورة “المتطرفين الإسلاميين” وتضخيمها لاستخدامها كقاعدة لتحالف ما مع الأنظمة العربية العاجزة عن الحرب والخائفة من “السلام” الأشوه، ودائماً تحت الرعاية الأميركية.
والمؤمنون بأن “الإسلام هو الحل” بين العرب، كما بين الشعوب المسلمة، كانوا دائماً موجودين كتيار سياسي له نفوذه وله امتداداته التي تتجاوز الحدود “الدولية” بين أتباع الدين الحنيف.
وصحيح أن هذا التيار المتعدد الاتجاهات والاجتهادات والمتشعب التحالفات التكتيكية قد تعاظم تأثيره في السنوات الأخيرة، تحت ضغط الهزائم والخيبات واليأس وفشل القوى القومية والتقدمية، لكنه لم يصل أبداً إلى الحجم الذي يصور به الآن، وكأنه الخطر الأعظم على الغرب عموماً والهيمنة الأميركية شبه المطلقة على الكون خصوصاً.
إن التيار موجود وعريق وأصيل في الوطن العربي والعالم الإسلامي، ولكنه كان باستمرار صديقاً للغرب وحليفاً له في مواجهة القومية والتقدمية و”المبادئ الهدامة”.
وإذا ما استثنيت الاتجاهات الراديكالية التي عبرت عنها الثورة الإسلامية في إيران ونشرتها في العالم الإسلامي، فإن معظم التنظيمات الإسلامية “كحزب التحرير” و”حركة الأخوان المسلمين” و”الجماعات الإسلامية” قد صرفت عقوداً من العمل السري والعلني ضد ما تراه “كفرا” في العروبة وإلحاداً في الشيوعية، ولم تشهر السلاح إلا نادراً في حا لات محددة ومحدودة في وجه الغرب الذي كان يستعمر دار العروبة والإسلام على حد سواء.
حتى بالمعنى العقائدي فإن هذه التيارات، بمجملها، تنتسب إلى المدرسة الرأسمالية، باقتصاديات السوق والمبادرة الفردية وحق الربع، وليس إلى المدرسة الاشتراكية والاقتصاد الموجه الخ.
أي إنها تيارات “غربية” التوجه السياسي حتى وهي ترفع رايات إسلامية.
فماذا عدا مما بدا حتى غدت هذه التيارات التي لا ينكر الغرب، البريطاني والفرنسي ثم الأميركي، إنه طالما رعاها وحماها ووفر لها الملجأ والدعم بأشكاله، مصدر خطر داهم وكاسح على الحضارة الغربية وعلى رعاتها الذين حموها من بطش القوميين والتقدميين؟!
طبعاً هذا لا يعني أن المنتمين إلى هذه التيارات ليسوا مخلصين لما يؤمنون به، وإنهم مجرد “أتباع” للغرب، أو أنهم “اختراع” أو “اختراق غربي” للعرب والمسلمين.
وبغض النظر عن مدى الاتفاق والاختلاف معهم فقد قدم هؤلاء الشهداء والتضحيات الجسام من أ جل الوصول إلى سلطة يرون فيها الخير لمجتعاتهم ويعتقدون إنهم يملكون الحلول الناجعة للمعضلات التي فشلت في حسمها الأنظمة التي جاءت باسم الوطنية أو القومية أو التقدمية بكل ما يتفرع منها من مثل مستوردة…
لكن هؤلاء “الإسلاميين” أو “الأصوليين” والتسمية في الحالين “غربية”، يعرفون قطعاَ إنهم ليسوا بمثل القوة التي يصورهم بها الآن الغرب، كل الغرب الأميركي – الأوروبي، والإسرائيلي،
ثم إن هؤلاء المناضلين من أجل التغيير في أقطارهم يدركون تماماً إنهم أقوياء بضعف خصومهم أكثر منهم قدراتهم الذاتية، وإن رفضهم أو معارضتهم للقائم بالأمر أو التجاءهم إلى المقدس من المعتقدات الدينية قد يدر عليهم بعض التأييد الشعبي من رافضي الأنظمة الحاكمة والمؤمنين بعجزها المطلق عن توفير الحلول الجدية لمشكلاتهم الحياتية المزمنة،
لكن “الضدية” وحدها لا تصلح برنامجاً للحكم المنشود،
ورفض النظام القائم لا يعطي صاحبه – آلياً – الجدارة بأنه النظام المرتجى،
والوصول إلى السلطة يتطلب أكثر من القول بأن “لا حاكم إلا الله”، أو بأن “الإسلام هو الحل”، وغير ذلك من الشعارات العامة والمبهمة التي لا تشبع جائعأً ولا تنصف مظلوماً ولا تبني (وحدها) المدينة الفاضلة.
كذلك فإن الاحتفاظ بالسلطة يقتضي أسلحة فعالة أكثر من الدعوات الصالحات،
وفي أي حال فلا يبدو قريباً، على الأقل، وصول أي من هذه التنظيمات إلى السلطة، حتى في تلك الأقطار التي أثبتت فيها حضوراً منظماً فعالاً وجماهيرية لا يمكن نكرانها.
لقد انتهى الأمر إلى نمط من الحرب الأهلية، كما في الجزائر مثلاً، وليس إلى قيام دولة الإسلام في أرض المليون شهيد، لأن النظام الحاكم يملك الدبابات والطائرات والمزيد من البنادق ويضع يده على مقدرات البلاد، ثم إنه يملك من تأييد الغرب أكثر مما تملك هي!
ورافضوا النظام الجزائري ليسوا بالضرورة مؤيدين للنظام “الإسلامي” المعروض عليهم، بل لعلهم يعارضون شعارات “الإسلاميين” ومقولاتهم أكثر مما يعارضون السلطة التي جاءت بها جبهة التحرير الوطني ثم انقلبت عليها واندفعت – بغير وسيط – نحو واشنطن.
إن التيارات التي تقول بأن “الإسلام هو الحل” قوية، لكنها ليست “قوة عظمى” تهدد الولايات المتحدة الأميركية المنفردة الآن على قمة الهيمنة على القرار الكوني،
وإسرائيل صاحبة مصلحة أكيدة في تحويل “الإسلاميين” إلى أسطورة مخيفة وإلى “عدو” شرس وهائل القدرات الكونية لأن ذلك يجدد أمام الإسرائيليين الفرصة للعب الدور الذي يطمحون إليهوالذي فقد الكثير من مبرراته بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والنظام الشيوعي.
إن إسرائيل ، إنما تضخم دورها وتؤكد ضرورته بتضخيم خطر “الإسلاميين” وتصويرهم وكأنهم قاب قوسين أو أدنى من اجتياح العالم بدءاً بالبوسنة، في قلب أوروبا وانتهاء بحدود الصين على المحيط الهادي مروراً بكل الوطن العربي و”العالم التركي”، والجمهوريات الإسلامية الخارجة من أسر الشيوعية الدولية في الاتحاد السوفياتي السابق.
وبعض الأنظمة العربية (والإسلامية) تعزز هذا الطرح الإسرائيلي وتروجه وتسوقه في الولايات المتحدة الأميركية وسائر الغرب، لتضمن استمراريتها في السلطة كسد في وجه الاجتياح الجديد.
وخطاب الرئيس المصري حسني مبارك يتلاقى من حيث لا يقصد، مع الطرح الإسرائيلي، لأنه مستفيد – كما إسرائيل – من تضخيم هذا الخطر الوهمي،
وحين يقدم هذا الرئيس على تسليم بعض رعاياه لمحاكمتهم كمتهمين بل كمدانين سلفاً، من قبل سلطات بلاد أجنبية، تنازلاً بذلك عن سيادة بلاده وعن كرامة مواطنيه ضارباً بحقوق الإنسان عرض الحائط، فإنما يفعل ذلك استدراراً لعطف الغرب وحمايته من خطر لا يهدده وحده وإنما يهدد النظام العالمي الجديد والحضارة الغربية برمتها!.
بالمقابل فإن الحاكم الإسرائيلي لا يتورع عن إلقاء القبض على مواطنين أميركيين من أصل عربي وسجنهم، وتوجيه الاتهام إلى الولايات المتحدة ذاتها بأنها مركز قيادة “الأصوليين” الإرهابيين، ومصدر تمويل الانتفاضة المجيدة في فلسطين،
والاتهام هنا كمحاولة التبرؤ هناك، يستهدفان جر الولايات المتحدة إلى حرب وهمية مع خطر وهمي، لأن ذلك يساعد الحاكم العربي كما الحاكم الإسرائلي على تزييف طبيعة حربه هو، وعلى تشويه القضية الأصلية للشعب المقهور والمقموع سواء في مصر أو في فلسطين أو في سائر أرجاء الوطن العربي.
وتصرف مبارك يصب – حتى لو لم يقصد – في الغرض الإسرائيلي المباشر والراهن: إضعاف الطرف العربي في مفاوضات “السلام”، عن طريق تعطيل “الحياد” الأميركي المفترض باستعداء واشنطن وإلزامها بالانتقال إلى موقع الطرف للاشتراك في مقاتلة الخطر الوافد باسم الإسلام..
وبذلك يصبح ممكناً فرض “السلام الإسرائيلي” على العرب تجنباً للحرب الأميركية ضدهم.

Exit mobile version