مع الترحيب الكامل بأمين عام جامعة الدول العربية الدكتور ع صمت عبد المجيد، في بيروت، فلقد كنا نتمنى أن يأتي داعماً ومعززاً للصمود اللبناني (والفلسطيني) وليس وسيطاً في موضوع المقتلعين الفلسطينيين من أرضهم.
فأما الدعم فقد تأخر كثيراً،
وأما الوساطة فهي أمر غير جائز وغير مقبول، مهما حسنت النوايا الشخصية، لأنها تخرج زيارة هذا المسؤول العربي الكبير بموقعه من إطارها الشرعي (القومي) وتضعها في سياق “مهمة أميركية” مطلوبة لتخفيف الضغط عن العدو الإسرائيلي.
ولو كانت الزيارة للدعم السياسي والمعنوي لما احتاجت إلى موفدين سريين يمهدون لها، وإلى اتصالات تتم خارج الإطار الرسمي، في حين أن الدعم من صلب مهمة الرجل الذي يحتل منصب الأمين العام لآخر مؤسسة للتضامن العربي (الرسمي) ولو بحده الأدنى.
كذلك فلو كان الهدف الدعم لكانت الجامعة العربية قد وضعت ما تبقى لها من رصيد في خدمة هذه المسألة القومية، سواء على المستوى العربي أو على المستوى الدولي، فحولت التظاهرة الإعلامية والسياسية الواسعة النطاق، استنكاراً للجريمة الإسرائيلية الجديدة، إلى “مشروع توافق عربي على عمل ما”، خصوصاً وإن مناخ الاستنكار الدولي كان يسمح بذلك.
لو أن الهدف الدعم كان على الأمانة العامة أن تكتل ما أمكن من رصيد قوى الضغط العربية لتوجهه نحو الولايات المتحدة الأميركية حتى لا تتمادى في استهانتها بالعرب عموماً إلى حد فرض مواجهة على ذلك “العربي” المغلوب على أمره في نيويورك أمين عام الأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي.
حتى هذا الرجل الذي لم يشتهر بمعاداة النفوذ الأميركي والنظام العالمي الجديد أو بالتطرف في تعبيره عن عروبته، أحرج فأخرج، واضطر إلى اتخاذ موقف “حاد” نسبياً تعبيراً عن شعوره بالمهانة.
ولسوف يشهد اليوم (الاثنين) واحدة من جولات المواجهة المستمرة بلا هوادة بين الأمين العام “الأممي” والإدارة الأميركية”، على مسرح مجلس الأمن استنقاذاً لكرامة هذه المؤسسة الدولية، عبر قرارها 799 الخاص بإعادة المقتلعين إلى أرضهم.
فإذا كان بطرس غالي قد توقف عن بذل “مساعيه الحميدة” لدى واشنطن بعدما اصطدم بجدار التعنت الأميركي في حماية الخطيئة الإسرائيلية التي تعبر عن احتقار متناه للأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها والمجتمع الدولي والشرعية الدولية قبل أن تكون إعلاناً مدوياً باحتقار العرب وامتهان كرامتهم، فماذا يمكنه أن يفعل عصنت عبد المجيد؟!
لقد حكمت إسرائيل بإعدام “مؤتمر السلام” الذي نظمه الأميركيون ومنحوه رعايتهم،
وما توكيدها، عبر “عدالتها” كما عبر الحكومة، على رفضها إعادة المقتلعين الفلسطينيين إلى أرضهم، إلا محاولة مكشوفة لنسف المفاوضات الثنائية المباشرة بينها وبين الدول العربية المعنية.
ومع أن هذه المفاوضات لم تكن يوماً مطلباً عربياً، بل كانت استجابة عربية لطلب أميركي، في ظل ظروف دولية لا تسمح بالرفض، فإن إسرائيل تحاول عبر موضوع المقتلعين ابتزاز الإدارة الأميركية أولاً بفرض أمر واقع جديد يجعل المفاوضات غير ذات موضوع.
ومع أن الواقع الموضوي يجعل الحكومة المصرية في موقع الضعف والهوان إزاء الإرادة الأميركية، فيسظل مرفوضاً من مصر – بتاريخها ودورها ونضالات شعبها – أن تتحول إلى “وسيط” بين العرب وعدوهم القومي إسرائيل.
واستطراداً فمرفوض تماماً، حتى ممن يعذر النظام المصري، مثل هذا الدور تلعبه الجامعة العربية ولو من تحت غطاء أميركي.
إن مثل هذه “الوساطة” تقتلع الجامعة العربية ذاتها وتطرحها – هي أيضاً – في عراء الصقيع والوعر.
ومرة أخرى، أهلاً بأمين عام الجامعة العربية الآتي للتضامن مع لبنان في بيروت، وليس الأمر في بيروت، و م ع شعب فلسطين المطرود من أرضها.
أما الوساطات فهي لا تعيد أرضاً، ولا ترجع مطروداً، بل هي تفصل بين الأرض وناسها، وبين الفلسطينيين والفلسطينيين وبين العرب والعرب، ثم بين العرب والعالم،
وليكن غيرك الوسطاء يا دكتور،
ولتكن الوساطة في واشنطن ومعها، وليس في بيروت، ولا خاصة في ذلك الفراغ العربي القاتل بين زمريا ومرج الزهور!
وسلام على من أتبع الهدى!