المشكلة هي المشكلة، والحل هو الحل،
لا المشكلة غامضة إن في أساسياتها أو في التفاصيل، ولا الحل ممكن تزويره أو تمويهه أو الهرب من تبعاته الثقيلة،
المشكلة هي الواقع التقسيمي المحصن بالعمى الطائفي والدكتاتورية العسكرية، والحل هو في استعادة وحدة البلاد وجمهوريتها بمؤسساتها كافة و”بقوة” سلطتها الشرعية وحدها بلا شريك، وتحت مظلة اتفاق الطائف اللبناني – العربي – الدولي.
وإذا كان ميشال عون الثمرة الفجة، للحرب الأهلية، في لحظة كان استمرارها يخدم أغراض بعض الأنظمة العربية ومصالح بعض الدول، والعظمى منها بشكل خاص، فإن اتفاق الطائف إنما جاء تعبيراً عن تحول أساسي في توجهات مراكز القرار، بحيث انتقل العرب – بإجماعهم – والدول، بأكثريتها المطلقة، إلى صف التسوية الطائفية كقاعدة لهدنة طويلة تمهد للحل العربي – المدوّل الآتي في ما بعد..
المشكلة، باختصار، هي ميشال عون وحربه التقسيمية، والحل هو في الإعداد والاستعداد لحرب إنهاء الأمر الواقع التقسيمي بتجديد الوحدة (والنظام) على قاعدة اتفاق الطائف.
التقسيميون في جانب، وأن تصدر بعضهم وجهر، وأن غمغم بعضهم أو قال “لعم”، وإن تلطى البعض الثالث وراء “الزعيم الأوحد” يحرضه ويحرك أمام عينيه علم “الثورة” الأحمر، فإن سقط ففك رقبته ورثه بغير معركة، وإن حاول فتنجح حاول أن يقاسمه نتائج النجاح ولو من موقع “المرابع” أو الشريك الثانوي والضروري لتوكيد وحدة الطائفة كبديل عن وحدة الدولة وحلم الوطن.
والوحدويون في جانب آخر، أو يجب أو يكونوا، ولا يجوز أن “يرجئ” بعضهم إعلان إيمانه بالقضية في انتظار تلبية شروطه أو بالأحرى مطالبه في المناصب والحقائب و”لون” السلطة وطبيعة التوازن فيها، كما لا يجوز أن يتحصن غيره بالصمت المطبق فلا يفتح فمه بكلمة يستشم منها الاعتراض على الجنرال وسياساته، مكتفياً بالإشارة إلى أن موقفه معروف وتاريخي وثابت ومبدئي ولا يحتاج إعلاناً.
الوحدة اليوم بحاجة إلى أهلها، وهي تناديهم بل تستصرخهم وتطلب ما لم تطلبه في أي يوم أن يجيئها أبناؤها بأسمائهم واعلامهم وإمكاناتهم فيحموا كيانها المهدد ويقاتلوا لاستعادة دولتها الممزقة.
وتحت راية التقسيم، وبقيادة جنراله، يحتشد التقسيميون سواء بالانتفاع أم بالتعصب، بالطرح النظري أم بالممارسة العملية، بالفتوى الفكرية أم بالمصلحة السياسية، بالتبعية للأجنبي أم “بالفكرة الثابتة” والوتر والضغينة والأحقاد الشخصية المؤدلجة طائفياً.
التقسيميون يقاتلون الوحدة باسم “السيادة”، كأنما تكون سيادة من أي نوع لكيان مفكك تتناهبه الدول ويشلعه الطائفيون إمارات وكانتونات متناحرة!
والوحدويون يقاتلون التقسيم بالمصلحة والإرادة وحقائق الحياة وصولاً إلى اتفاق الطائف بما هو قرار وطني – عربي – دولي ببقاء الجمهورية اللبنانية بعد إصلاح بعض وجوه الخلل في نظامها المنسوب إلى الديموقراطية البرلمانية.
إنها الحرب، أجل، وليس لها اسم آخر: حرب الوحدة.
ومن يفترض إنه مدعو لتشريف الحكم بشخصه أو بألقابه أو بمناصبه الحزبية لا يكون واهماً فحسب، أو مجرد انتهازي رخيص، بل قد يكون متواطئاً أو “حصان طراوده” يعمل لحساب التقسيميين أو سيارة مفخخة مهمتها نسف الحل العربي بإسقاط اتفاق الطائف.
واتفاق الطائف هو وسيلة لاستعادة الوحدة وإنهاء عصر الانقسام المفروض بقوة السلاح.
ليس اتفاق الطائف هو الهدف ولا الغاية المثلى، ومن سلم به اعتبره سلاحاً فعالاً يخدم حرب الوحدة ويعزز معسكرها بالدعم العربي المباشر والتأييد الدولي شبه الإجماعي.
اتفاق الطائف هو المتراس وهو قد يكون السيف، لكن المحارب هو من خرج من الصفوف وتقدمها هاتفاً: ها آنذا للوحدة، أنا للشرعية، أنا للدولة، أنا للبنان الباقي بوحدته وبها فقط.
ولا يحق لأي من أهل الطائف أن يقول اليوم: لقد وافقت على الاتفاق بشروطي، وعلى الانتخابات بشروطي، ولا يمكن أن أقبل اليوم بالوحدة إلا بشروطي،
كما لا يحق لأهل الطائف أن ينبري بينهم من يقول: قبلت مرغماً، أو قبلت اتفاقاً لا بديل له إلا الدمار والخراب والحرب، أو قبلت الأقل سوءاً، وإلا كان – فعلاً – كما وصفه “الجنرال” : إما خائف وإما عاجز.
لقد قبل الجميع اتفاق الطائف لأنه يعيد استيلاد لبنان، الدولة والشعب الموحد والسلام وحلم الوطن.
واتفاق الطائف سلاح هجومي فمن استخدمه للدفاع أذى نفسه وأنقص من خطر سلاحه على خصمه بل عدوه التقسيمي.
المشكلة هي المشكلة موصوفة، محددة، مكشوفة، صريحة يعرفها القاصي والداني بالاسم.
المشكلة، وحتى إشعار آخر، وبالأولوية المطلقة، تتمثل في وجود العماد ميشال عون حيث هو، يصادر القصر والرئاسة، الحكم والحكومة، “الشارع” والشرعية” “الجيش” ورديفه الماروني “القوات اللبنانية” وما يسمى “القرار المسيحي” أو تمثيل الطائفة العظمى على المستويات كافة، السياسية منها والعسكرية و”الثقافية” والروحية، أيضاً، حتى لا ننسى ما أصاب البطريرك الماروني على يدي “شعب الجنرال” والمهووسين بكاريزما “الفارس الأعظم” فيه.
وميشال عون، في بعض وجوهه ، هو ابن شرعي لكتائب بيار الجميل، بطبعتها المنقحة والمزيدة على يدي بشير الجميل، والمتحولة إلى “قنبلة عنقودية” على يدي أمين الجميل، تتفجر فتقتل “الآخرين”، ثم يتبقى منها ما يكفي لقتل صاحبها ذاته.
ميشال عون هو آخر “العنقود” في آل الجميل ومؤسسة الحرب الأهلية التي أطلقوا شراراتها ثم رعوا وحشها وهو يتنامى وتتعاظم قوة تدميره، وقد أطلقوه بداية على الطوائف الأخرى وكان لا بد أن ينتهي بأن يلتهم “الطائفة العظمى” ذاتها،
ميشال عون هو – بكيفية ما – الابن الشرعي للحاضنة السياسية لهذا الوحش التي حملت ذات يوم اسم “الجبهة اللبنانية”، لتبرر تسليم القيادة المطلقة لبشير الجميل،
وليست مصادفة أن يرفع ميشال عون، في مؤتمراته الصحافية، نسخة من الكتيب – الخطة الذي وضعه، مع آخرين، بتكليف من بشير الجميل لتحديد استراتيجية “القوات اللبنانية” وتكتيكها خلال “نضالها” من أجل التقسيم طالما استحالت هيمنتها الكاملة على “الدولة الواحدة”.
وبهذا المعنى فإن سمير جعجع هو أول المطالبين بإثبات براءته، بل توبته، ثم بقطع صلته بذلك المشروع الذي أنجبه كما أنجب ميشال عون،
وإعلان التوبة يكون بإشهار وحدويته والقتال من أجل انتصار قضيتها،
ولا يحتاج الوحدويون، بعد انتهاء المعركة، إلى ملتحقين يجيئون لمشاركتهم ثمار نصرهم، بعدما امتنعوا عن مشاركتهم في البذل والتضحية والعطاء حتى يكون لهم النصر على التقسيميين.
أما الدكتور جورج سعادة، الذي يحفظ له اللبنانيون، والعرب، دوره قبل الطائف وفيها وعبر الانتخابات الرئاسية وبعدها، فلا مكان له خارج الوحدة ودولتها وحكومتها الشرعية العتيدة.
لقد فرح به اللبنانيون والعرب معتبرين أنه قد ولد من جديد، وأنه قتل الصورة القديمة لحزب الكتائب، بوصفه المؤسسة – الأم للحرب الأهلية، وإنه مزق الصورة البشيرية لـ “الجبهة اللبنانية” بوصفها الحاضنة السياسية للمشروع التقسيمي.
ولو كان جورج سعادة كتائبياً بمواصفات آل الجميل لما قبله أحد (إلا بالدبابات الإسرائيلية) ولو كانت “جبهته اللبنانية” هي هي تلك التي ابتدعها آل الجميل لتغطية استيلائهم على السلطة وتفردهم بها، لما كان دعاه أحد، ولا كان طالبه أحد بإشهار وحدويته وتوكيدها بالحرب في صفوفها ضد التقسيميين.
وليس الأمر اليوم مفاضلة بين نوعين من التقسيميين: نرفض منهم ميشال عون ونقبل غيره.
وليس الأمر اليوم مفاضلة بين نوعين من الوحدويين: بعضهم يحكم فينعم وبعضهم يقاتل وتكون له الجنة وثوابه إنه “من رواد الوحدة” ومن “شهدائها الأبرار” حتى لو بقي اسمه في عداد الأحياء.
التقسيم ضد الجميع، وشر وبيل يذهب بالجميع، والوحدة خير للجميع وفيها مصلحة الجميع.
من هو مع التقسيم أعلن الحرب وهو مستمر فيها طالما استمر حيث هو، في القصر، يتخذ من المسيحيين رهينة… بقدر ما يكتب له البقاء،
ومن هو مع الوحدة عليه أن يقاتل لاسترداد ما أخذ منه وما يمنع عليه تجديد الوحدة – الدولة – الشرعية – الاستقلال – السيادة وحلم الوطن.
ولا إنصاف حلول مع التقسيميين،
ولا مفاوضات قبل ترسيخ الوحدة بإزالة التقسيم واسبابه ودعاته وحماته وأبطاله المحتشدين تحت لواء جنرال الحرب.
والحكومة خطوة حاسمة، بل معركة حاسمة من معارك الوحدة، وليست مكافأة أو رشوة تدفع لتقسيمي حتى يترك “ربعه” ويجيء إلى حيث الذهب والسلطة ومجد التاريخ!
وفي انتظار أن يحسم كل موقفه ستظل المشكلة في بعبدا، ومن ثم في لبنان على اتساع أرضه، وصولاً إلى الطائف ومن بعده إلى واشنطن التي جاء منها ماكارثي مهنئاً وفي إهدن، بينما كان اللبنانيون، وأهل الطائف عموماً، ينتظرونه سفيراً وحضوراً أميركياً مؤثراً إلى جانب الوحدة في بيروت.
وسيظل الحل تائهاً لا يستقر في مكان، يدور بين بيروت وإهدن والطائف وواشنطن والفاتيكان وباريس الحالمة أو المناورة بمحمية مارونية على الشاطئ الشرقي للمتوسط غير آبهة لأن يكون المسيحيون “الذخيرة الحية” في هذه المناورة التي لا يمكن أن يكتب لها النجاح.
ويا أيها الوحدويون: إلى السلاح، وإلا ذهبت أيامكم وأحلامكم ومعها الرئاسات!