مستهلك هو، من حيث الشكل والاستسهال والاطلاق، اتهام إسرائيل بأي حادث تخريب أو تفجير أو عبث بالأمن القومي للبنان أو أي بلد عربي آخر.
لكن ثمة، بالمقابل، حوادث تتسم بالوحشية وبتقصد الإيذاء المعنوي والمادي إلى حد إنها تكاد تحمل توقيع إسرائيل وخاتم أجهزة مخابراتها، سواء مباشرة أم بالواسطة،
وكما إن أحداً لم يفكر طويلاً قبل توجيه الاتهام إلى اليد الإسرائيلية في حادث تفجير مبنى “الكولدج هول” في الجامعة الأميركية ببيروت، وذلك لانتفاء أي مستفيد آخر عدا تل أبيب، كذلك فلا يمكن احتساب أي طرف لبناني أو عربي أو خارجي في عداد المستفيدين من حادث التفجير الإجرامي الذي ضرب بيروت في قلبها، صباح أمس، فهز لبنان كله وأفسد على أبنائه آمالهم وأحلامهم بسنة جديدة أكثر أمناً وخيراً من سابقاتها العجاف.
ولا يحتاج الأمر إلى تدقيق قبل اكتشاف رابط بين التفجيرين اللذين استهدفا هذه العاصمة العربية، في صورتها الثقافية الزاهية برغم كل محن المحن، ثم في إرادة الحياة العارمة التي تزخر بها والتي مكنتها من مجابهة الليل الطويل للكوارث والمآسي والجراح النازفة والموت المجاني.
فالتفجير الأول ضرب “خط التماس” السوري – الأميركي في لبنان، عبر استهدافه الجامعة الأميركية.
والتفجير الثاني ضرب “خط التماس” السوري – الإيراني في العاصمة، عبر استهدافه ذلك الحي السكني المكتظ بين برج أبي حيدر والبسطة، والذي للسوريين فيه وجود عسكري مؤثر يقابله وجود ملحوظ لمناصري التوجهات الثورية لجمهورية إيران الإسلامية.
إنهما ضربتان للبنان، في قلب عاصمته، وضربتان أيضاً لهيبة الأمن السوري الذي يشترك مع الأمن اللبناني (رمز الحكم المركزي القوي؟!) في المسؤولية عن “أميرة الحزن العربية” وسكانها، المقيم منهم والوافد والعابر.
… ولو إن الحكم لديه فائض من الوقت للاهتمام بمثل هذه “التفاصيل” لكان ضرورياً الإشارة إليه، ولو عرضاً، ولكنه مشغول الآن بما هو أخطر وأهم: تحديد جنس الملائكة، فلنتركه إلى مشاغله الفكرية العميقة، أما الضحايا من قتلى وجرحى ومتضررين في أرزاقهم، والأغلى منها البيوت، فلهم الله ورحمته الواسعة،
“منه العوض وعليه العوض”،
وبيروت الصابرة لن تركع، ولن ترفع الأعلام البيضاء للإرهاب الإسرائيلي، وهي من قبل قد واجهته مباشرة فهزمته ولم يهزمها.
والعزاء لبيروت – الأميرة في قافلة الشهداء الجدد.