فجأة وبغير مقدمات واضحة، جاءنا التطمين على لسان ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله، عن توفر احتمالات الحل في لبنان وعن الانفراجات والمرونة في المواقف التي لاحظها الجميع،
ولقد جاء هذا التطمين السعودي في أعقاب “بشرى” فرنسية أطلقها المبعوث فرنسوا شير، بعد جولته في “البيروتات” وزيارته دمشق، وثرثرته هنا وهناك وفي باريس ومفاد ما قاله فيها إن ميشال عون قد وافق – أخيراً – على اتفاق الطائف، وغنه لا يطلب غير مخرج لائق يحفظ له ماء وجهه،
لكن لواشنطن، في ما يبدو رأياً آخر، برغم إنها ما زالت تعتصم بالصمت (رسمياً)… فلقد نقل مسؤولون عن السفير الأميركي (السابق؟!) في بيروت جون ماكارثي إن الأزمة طويلة بعد، وإن الحل بعيد بسبب “مشكلة” ميشال عون.
ونقل مسؤولون آخرون عن كبار في الإدارة الأميركية قولهم: لسنا مستعدين، الآن، لصفقة شاملة ،ولن نخضع بأي حال للابتزاز السوري!!
ومع انهمار مطر الدولارات من “الصندوق الدولي – العربي” العتيد على لبنان، تفتقد “أوجيه لبنان” الدور فتخلي الساحة لبلدوزرات هذا الصندوق حتى لا يتهم رفيق الحريري باستغلال نفوذه أو تعطيل مشروع “مارشال” الآتي على عجل لإعادة إعمار لبنان!
بصيغة أخرى يمكن القول إن الحرب تجددت على الأرض اللبنانية بين الأميركيين من جهة والحلف الفرنسي – الفاتيكاني من جهة أخرى… فواشنطن تؤكد وتعيد التأكيد على التزامها تجاه سمير جعجع (ومن معه وخلفه)، والفاتيكان ومعه فرنسا يعيدان الاعتبار إلى ميشال عون ويهبان لنجدته وإنقاذه من… الحاجة إلى علاقة ما (ولو غير مباشرة) مع دمشق تخفف عنه ضغط “القوات اللبنانية” العسكري والسياسي بعدما التفت عليه عبر إعلان “ولائها” للشرعية وإيمانها الراسخ باتفاق الطائف!
والكل الآن ينتظر أن تبدع عبقرية اللجنة العربية الثلاثية حلاً يرضي جميع الأطراف (!!) بمن في ذلك وزيرخارجية الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي “فش خلقه” من تفشيل لجنته السداسية طيبة الذكر بتصريح نافر اضطر إلى سحبه والاعتذارعنه في ما بعد… إنقاذاً لمظاهر “الحفاوة الرسمية” بالوفد الرئاسي اللبناني الذي كان بعد في”قصر السيف”!
في هذه الأثناء يطمئن شارون، من يعنيهم الأمر، إنه لن يسكن اليهود الجدد القادمين من الاتحاد السوفياتي في الضفة والقطاع، تقديراً منه لظروف “الرفيق” ميخائيل غورباتوشف،
… ويبادر إسحاق شامير على مكاتبه غورباتشوف “ليبيعه” هذا الفضل حتى لا يفقد ثقة أصدقائه العرب،
… وتصل رئيستا برلماني الألمانيتين إلى بيت الطاعة فيإسرائيل طالبتين الصفح والغفران والاستعداد للتعويض عن كل يهودي قتل خلال الحرب بعشرة (أو مئة) من العرب المعادين للسامية والمستمرين في اعتماد سلاح “الإرهاب” برغم سحبه من أسواق الإمبراطورية الوحيدة القرن الأميركي!
ثم لا يجد المسترئسون والمستوزرون ما يتسلون به غير حكاية التغيير الحكومي!
ومع إن الحكومة القائمة لا تستحق أن يدافع عنها أحد، بمن في ذلك أهلها الأقربون فإن السؤال المعلق بلا جواب يبقى هو هو: هل ستحل أية حكومة جديدة مشكلة ميشال عون وإعادة توحيد الجيش وتعزيز الشرعية تمهيداً لبسط سلطتها على مختلف أنحاء “القارات” اللبنانية؟!
وهل الحكومة الجديدة هي التي ستحقق حلم الصندوق العربي – الدولي وملياراته العديدة القادرة على إسكان كل مهجر واستعادة كل مهاجر وإطعام كل فم في لبنانات الداخل والخارج.؟!
أم إن الحكومة الجديدة ستكون هي السد المنيع في وجه تدفق اليهود المهاجرين – المهجرين السوفيات إلى الأرض العريبة؟!
والجواب عند واشنطن، وعند معتمديها في المنطقة، وما أكثرهم، وفي الطليعة منهم: اللجنة العربية الثلاثية.
ما نطلبه من الخليج..
بعد الكويت وقطر والبحرين يصل وفد الشرعية اللبنانية، وقد حكم الوفاق الوطني، حكم اتفاق الطائف، إلى الإمارات العربية المتحدة اليوم مختتماً جولته في الخليج العربي.
ولقد أكد الرئيس الياس الهراوي لكل من التقاهم قبل سفره إنه لن “يتورط” فيطلب أية مساعدات مالية من هذه الأقطار الغنية، أو التي كانت غنية، “فأنا لا أذهب وبيدي حقيقبة أريد أن أملأها ذهباً، ولن أطلق صدقة وإحساناً.. بل إنني لن أطلب حتى مساعدات عسكرية لجيش الشرعية”.
كذلك حرص الرئيس سليم الحص على توكيد موقفه المعروف: “لسنا الآن بحاجة إلى المال، بل إلى الدعم السياسي، إلى تثبيت الاعتراف بالشرعية والالتزام باتفاق الطائف، وبعدما نرتب بيتنا ونحل مشكلاتنا الداخلية سيأتي الدعم المادي العربي، والدولي، حتماً وبغير طلب”،
على إن الرئيسين كانا يتوقفان، خلال حديث الرحلة، عند شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، ومبادرته الشهيرة من أجل لبنان، ويسألان زوارهما عن أنسب السبل لتجديدها من أجل الوصول بها إلى غايتها المنشودة.
ولقد استذكر الرجلان وضيوفهما ما يعرفون عن مبادرات الشيخ زايد التي تعكس اهتمامه بلبنان شعباً ودولة وقضية قومية،
وقال قائل: يكفي أن يبادر الشيخ زايد إلى إنقاذنا من العتم، وله في هذا سابقة مع الشقيقة سوريا مع بداية حرب تشرين، حين هددتها غارات طيران العدو الإسرائيلي على محطات توليد الكهرباء بالاظلام الكلي،
وقال “خبير” في شؤون الخليج: إن دولة الإمارات ملزمة بانتظار القرار “الجماعي”، وأساساً قرار السعودية بالمساعدة المباشرة، أما الشيخ زايد شخصياً فقد يبادر مستبقاً دولته وسائر الدول، لاسيما في ما يتصل ببعض المرافق الحيوية وأسباب الحياة اليومية كالماء والكهرباء والمعدات اللازمة لإنقاذ بيروت من الأدران ومصادر المرض كمولدات الكهرباء وأكوام القمامة والمياه غير المعقمة.
وقال وزير سابق عمل في الخليج لفترة مع بداية الطفرة النفطية: إن لبنان يذهب ببؤسه إلى أخوته الأغنياء في زمن بؤسهم هم (والبؤس نسبي طبعاً)، فدخل هذه الإمارات لا يصل اليوم إلى خمس دخلها قبل عشر سنوات، في حين إنها أعدت برامج “نهضتها” على أساس الذروة، ولذا فليس هناك كبيرأمل في المساعدات.. اللهم إلا ما يجوز به الأمراء شخصياً.
لقد صار لبنان في موقع “عزيز قوم ذل”،
لكن أهم إنجاز يمكن أن تحققه الجولة الرئاسية يمكن أن يتمثل في ما يأتي:
1 – أن تفتح أقطار الخليج أبوابها أمام من ضاقت به سبل الحياة من اللبنانيين في وطنهم الجريح.
إنها لو فعلت لقدمت خدمة قومية سيذكرها لها التاريخ.. فبدلاً من أن يهيم هؤلاء اللبنانيون (العرب) على وجوههم في بلاد اللهن يخضعون للابتزاز اليومي، ويجند بعضهم لخدمة أجهزة مخابرات أجنبية (وربما إسرائيلية)،
وبدلاً من أن يفرض الشتات على شعب عربي آخر، بعد الشعب الفلسطيني، فتتوزع الأسرة الواحدة على قارات عدة،
وبدلاً من ذلك كله يمكن أن تحتضن إمارات الخليج العربي هؤلاء الشبان العرب (برغم كونهم لبنانيين) فتستفيد منهم وتفيدهم… وهم بأي حال أولى من الكوريين الجنوبيين والفيليبينيين والتايلانديين الخ بظلم ذوي قرباهم.
2 – أن تخص هذه الأقطار من تبقى فيها من اللبنانيين بالرعاية، فلا يظل يتهددهم سيف الطرد والأبعاد وتشتيت الأسرة الواحدة أحياناً، بمنطق قانون الأحكام العرفية، وبفعل الوشاية أو لمجرد الخوف من اللعنة اللبنانية في أحيان أخرى.
3 – أن تساوي هذه الأقطار بين اللبنانيين في المعاملة، فلا يكونون هناك أيضاً أبناء ست وأبناء جارية، بحجة أن بعضهم مضمون الولاء وبعضهم الآخر “مشبوه” و”هدام” حتى يثبت العكس.
… خصوصاً وإن الذين كانوا يوصفون بالتحضر والرقي وعدم تعاطي السياسة من اللبنانيين والبراءة من الارهاب، قد أثبتوا إنهم في هذه “الفضائل” عرب أقحاح مثلهم مثل أخوانهم هنا أو هناك…
الصمود هو النصر…
تتوقع الجماهيرية العربية الليبية ضربة إسرائيلية تحت ذريعة الانتقام من “مسؤوليتها” عن العملية الفدائية الغبية التي لم تتم أصلاً على الشاطئ الفلسطيني في بداية شهرحزيران الجاري.
وتعيش القوات المسلحة والجماهير الشعبية في ليبيا حالة استنفار وتيقظ واستعداد لرد الضربة بأشد منها، ومهما كانت النتائج،
ولقد تجلى هذا الإجماع على ضرورةرد العدوان خلال الاحتفال المهيب بعيد إجلاء الأميركيين عن قاعدة عقبة بن نافع (هويلس سابقاً) على مشارف طرابلس العاصمة.
لقد بدت طرابلس شبيهة بالقاهرة العام 1956، عشية العدوان الثلاثي على مصر، وخلاله.
كانت الشعارات والهتافات المدوية واللافتات المرفوعة والقبضات السمراء التيتشق الهواء تقول كلمة واحدة: سنقاتل!
لكن الهتاف العربي الليبي مهدد بأن يضيع صداه في بيداء الاستكانة العربية التي أقصى ما تستطيع تقديمه هو التوسط لدى واشنطن لعلها تتكرم فتمنع الاعتداء الإسرائيلي المحتمل.
في أي حال حين بدأ العدوان على مصر لم يتركها العرب وحدها… وبمجرد صمودها للضربة الأولى أمكن لها، بقيادتها الثورية الفذة، أن تحقق نصراً تاريخياً للأمة العربية بأسرها… بل لعلها… سجلت يومذاك بداية النهوض العربي العظيم.
المهم أن نخرج من قبر الاستكانة والاستسلام للقدر الإسرائيلي (الأميركي)،
المهم أن نخرج من دوامة الاقتتال إلى الميدان الرحب للقتال الحق من أجل كرامة الأمة وغدها الأفضل.