طلال سلمان

على الطريق السلام ليس مجموعة صلح منفرد!

ليس الصلح المنفرد حلاً، لا للطرف العربي المعني ولا خاصة لإسرائيل، بل إن مثل هذا الصلح، وكائناً من كان صاحب التوقيع العربي، مرشح لأن يتحول إلى مشكلة إضافية لإسرائيل.
ذلك أن الصراع العربي – الإسرائيلي ليس حصيلة جمع منازعات الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، بل هو لب القضية بمعنى أنه يتصل بالمصير العربي العام وبالمشاعر الشخصية أو ربما بالمصالح الشخصية لكل مواطن عربي، إضافة إلى أنه – في حالات كثيرة – مبرر الوجود للعديد من الأنظمة العربية، فإذا ما أعلن عن سقوطه أو انتهائه سقطت وإذا ما تأكد استمراره استمرت به أو عليه.
لكل مواطن عربي نصيبه من هذا الصراع، وكل مواطن عربي، في المغرب أو في المشرق، دفع من دمه أو من ماله أو من هناءة عيشه بعض أثمان هذا الصراع التاريخي بطبيعته والذي لا يملك جيل واحد أن يعلن انتهاءه لأنه سابق عليه حتماً وباق بعده بالتأكيد.
حتى الفلسطيني، وهو نظرياً صاحب الأرض وبالتالي صاحب الحق “الشرعي” في التنازل عن “القضية”، لا يملك أن يمنع أي عربي، آخر عن الاستمرار في الدعوى وعن اتخاذ صفة “المدعي الشخصي”، لأن القضية تتجاوز الحدود السياسية للكيانات القائمة بقدر ما تتجاوز الحق الشخصي للفرد الفلسطيني أو مجمل الحقوق العينية والمباشرة للشعب الفلسطيني بمجموعه.
لقد قاتل العرب في فلسطين ومن أجلها قبل أن تقوم على أرضها أو بعض أرضها “دولة إسرائيل”.
ولقد قاتل اليهود أو الصهاينة الفلسطينيين خاصة والعرب عامة و”إسرائيل” في مستوى الأحلام ككيان سياسي، أو هي مجرد مشروع ونواة للتحالف بين الحركة الصهيونية وبين قوى الاستعمار الغربي المهيمنة على المنطقة العربية عموماً وعلى فلسطين خصوصاً في الفترة الفاصلة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وهكذا فإن صلحاً منفرداً مع النظام المصري، مضافاً إلى الصلح المنفرد مع “النظام” الفلسطيني، مضافاً إلى الصلح المنفرد مع النظام الأردني، مضافاً إلى الصلح المنفرد مع النظام المغربي، مضافاً إلى صلح منفرد مع “بنادرة العرب” في الجزيرة والخليج، لا يشكل ولا يمكن اعتباره إقفالاً لملف الصراع العربي – الإسرائيلي وفتحا لصفحة جديدة بين “عرب المنطقة” و”يهود الشتات” أو من تجمع منهم على أرفض فلسطين.
بالمقابل فإن تحالفاً محتملاً بين عنصريتين الأولى يهودية والثانية فلسطينية على “الأرض المقدسة” لا يسقط حق سائر العرب، وبينهم قوى فلسطينية أساسية، في فلسطين، ولا هو يمكن لقيام “دولة” قابلة للحياة، خصوصاً إذا ما أسبغت عليها صفات اعتبارية من نوع “ديموقراطية” أو “متعددة الأعراق”.
والالتحاق بالغرب ومشروعه للمنطقة العربية لا يسبغ على منظمة التحرير الفلسطينية “شرعية” تفتقدها حتى الساعة، كما أنه لا يعطي للحركة الصهيونية مسوغات مرتجاة لكي تؤكد انتماءها للمنطقة وصدق تعبيرها عنها.
لقد ذهب السادات إلى الغرب لكن مصر لم تذهب معه، ولا الغرب استطاع أن “يغربها” ويخرجها كلية من جلدها،
وذهاب ياسر عرفات إلى الغرب، عبر بوابة البيت الأبيض الأميركي و”الصديق الكبير” الذي “اكتشفه” فيه، لا يعني بأي حال تغريب فلسطين أو هجرتها أو خروجها من جلدها وانتمائها العربي، أو صهينتها،
ولن يضيف استقبال الحسن الثاني لرابين ومعه بيريز الكثير من “الشرعية” على الكيان الصهيوني واستعداد المواطن العربي، لقبوله.
قد يسلم المواطن العربي بالأمر الواقع، لأنه لا يملك له رداً في هذه اللحظة، لكن ذلك لا يعني الاعتراف، ولا يعني خاصة القبول بإسرائيل كشريك طبيعي ونهائي وبالتالي شرعي في الأرض وفي المصير.
فلسطين هي فلسطين، وإسرائيل جسم غريب، الآن وفي الغد، وبعد الغد وإلى أبد الآبدين.
لكل عربي فيها ما للفلسطيني (بالولادة) وأكثر، وسواء أكان مسلماً أو نصرانياً أو حتى يهودياً غير متصهين.
والقهر قد ينشئ وقد يحمي كيانات سياسية قامت بالقوة، ولكنه لا يمنح هذه الكيانات “شرعية” ولا هو يقرّبها من ديمومة الأمة ولا يسمح لها بحمل هويتها،
و”الشرق الأوسط” شيء آخر غير “الوطن العربي”،
إنه اعتداء على الطبيعة. على التاريخ والجغرافيا والإنسان.
إنه نتوء نافر تفرضه حالة استثنائية طارئة، ولكن أية محاولة للاقتراب مما هو طبيعي ستحور فيه إلى حد افتقاده لمبرر الوجود.
وبرغم التحصين المعد سلفاً، وبعناية، للاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني، ممثلاً بالإنجاز الفوري لجدول الأعمال مع الأردن، وبالاستقبال “المباغت” لرئيس وزراء العدو الإسرائيلي من طرف أمير المؤمنين ملك المغرب، فإن توىلي هذه الأنماط من الصلح المنفرد لا تستولد سلاماً ولا هي تقدر على إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
فهذا الصراع ملك شخصي لكل عربي، ولأي عربي بين المحيط والخليج،
ولكل مواطن من أصل المائتي مليون عربي، حق النقض، فكل من لم يوقع هو خارج الاتفاق المهزوز والمحتاج إلى حماية استثنائية لكي يصمد ويبقى.
وغداً متى انتهت الحالة الاحتفالية المصنوعة بعناية، يصبح ممكناً الحديث عن “عمر” الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني، والذي وقعوه.
وفي انتظار ذلك اليوم لا بأس من التمتع بمظاهر “العرس” لدى فلسطينيي الداخل أو حتى لدى “إسرائيليي الداخل”، فكلهم يفترض أنه قد وجد أخيراً “الحل السحري” لمشكلة وجوده ولمستقبله فوق الأرض التي استولدته أو أعطته مكان إقامة.
وعشرون صلحاً منفرداً لا تعني أبداً “السلام” بين العرب وبين الإسرائيليين، بل هي قد تضيف إلى رموز الكيان الصهيوني عشرين اسماً عربياً من المطالبين بتأدية الحساب، ساعة يجيء زمن الحساب!

Exit mobile version