طلال سلمان

على الطريق الشريك الثالث في معركة إسقاط الطائف!

تسقط القذيفة على صدغك الأيمن، ولا يلبث الصاروخ أن ينفجر في صدغك الأيسر، فيرتج وجدانك وينقبض قلبك وتلفك رائحة الموت حتى تكاد تغرقك وتميت إحساسك به!
كم مرة كتب عليك أن تموت في لبنان؟!
كم مرة كتب عليك أن تموت، في اليوم الواحد؟!
وكم من السلاح والمسلحين يتوزعون جسد يومك وغد أبنائك وأجيالك الآتين؟!
تقتلك الطائفة وميليشياتها متى توحدت وكذلك متى انقسمت فاقتتلت حتى إبادة أولئك الذين ليسوا في أو مع أي منها،
ويقتلك تجار الموت الأخضر من المضاربين بالدولار على ليرتك التي تذبح – مثلك – مرة أو مراراً في اليوم الواحد،
يقتلك انعدام الخيار والشعور بالانسحاق حين تعامل ككمية مهملة هي شيء ملحق بميشال عون أو سمير جعجع، فمن اعتمد مثبتاً للشرعية ومصدراً لشرعيتها كان ولي نعمتك وسيد مصيرك في الحال والاستقبال.
يقتلك “التسليم” بالتقسيم وتبلد رد الفعل، عند السلطة الشرعية كما عند “الشعب”: فعليك أن تسمع دوي المدافع وكأنها تقصف الكونغو (حتى لا نقول العدو الإسرائيلي)، فلا تحزن ولا تتفجع ولا تتحسر على الخسائر الفادحة في الأرواح والأرزاق وكأن القتلى والجرحى من غير أهلك، أو كأنما المرافق لا تخصك ولست أنت صاحبها ودافع كلفتها بالأمس ودافع كلفتها غداً، أو كأنما الشوارع والعمارات والسيارات وأثاث البيوت (بما فيها أصص الورد على الشرفات) ليست بعض تعبك وعرقك وأشيائك الحميمة.
كل ما عليك أن تستعجل الساعات لكي يحين موعد نشرات الأخبار المصورة فتجلس أمام الشاشات الصغيرة كالمسطول تتنقل بعينيك بين القنوات لتسمع تبادل الاتهامات والشتائم بين قاتليك، بغير أن يصدر عنك أي رد فعلك وكأنك لست الضحية… أو كأنما الأمر يتعلق بالفصاحة وقوة الحجة وقدرة هذا السفاح أو ذاك على إقناعك بأن “الآخر” هو المسؤول لأنه رفض التسليم بسلطة غريمه!
وأفدح ما يحزنك إن “شرعيتك” والحاكمين باسمها يسهرون، مثلك، على التلفزيون، يتفرجون وقد تأخذهم الحماسة فيقبلون حجة هذا أو ذاك، أو يستخفهم المزاج فيراهنون على قوة “الضابط المتمرد” أو على صمود “حكيم التقسيم” و”ليرتك بألف”… فماذا تفعل “شعبية” الجنرال إزاء التبني الأميركي (والعربي ممثلاً بأهل الطائف) لسمير جعجع و”قواته” وإن سيئة الصيت؟!
أخطر ما يحصل من تحولات في ظل التخلي العربي (الرسمي) عن شرعية حكم اتفاق الطائف وحكومة الوفاق الوطني إن اللبنانيين باتوا على شبه يقين من أن أهل الطائف قد سحبوا تأييدهم لاتفاق الطائف.
وبسبب الشك القاتل فإن وحدة أهل الحكم، وبالتحديد وحدة موقفهم من اتفاق الطائف، باتت مهددة وموضع تساؤل.
فلرئيس الجمهورية منطق مغاير، بل يكاد يكون متناقضاً، مع منطق رئيس مجلس النواب على سبيل المثال،
ولرئيس الحكومة منطق متباين عن منطق شريكيه على رأس “هرم” السلطة،
وللوزراء آراء قد تتقاطع ولكنها لا تتطابق،
ومن هنا فمجلس الوزراء ليس وحدة، لا بالمعنى السياسي، ولا بالموقف العام، ولا خاصة في “يوميات الحكم” ولا يدبو إنه سيكون ذات يوم،
والنواب توزعوا أيدي سبا: بعضهم رهائن لدى سمير جعجع، وبعضهم الآخر يغيبون تفادياً للإحراج، وأكثريتهم الساحقة تتصرف وكأنها قد أدت قسطها للعلى وإنها غير معنية في ما يدور الآن، وتفضل أن تنتظر نتائج “الصراع” فتصف مع المنتصر!!
كأنما مصير الحكم لا يعني أحداً من أهله، أهل الطائف،
ففي ما عدا سوريا لا تظهر اللجنة العربية العليا ولا سائر الدول ذات النفوذ والامكانات، اهتماماً جدياً بتطورات الوضع في لبنان وتأثيراته المحتملة على حكم اتفاق الطائف أو على مصير الاتفاق نفسه، وهو الذي وصف ذات يوم بأنه إنجاز تاريخي.
ولقد غابت الدعوات السعودية الملحاحة الموجهة إلى الشرعية والناصحة بالتعقل والابتعاد عن استخدام العنف واعتماد أسلوب الحوار… وحل محلها صمت مطبق لا يقطعه سوى دوي مدافع من اختارته السعودية، ومعها اللجنة العربية، سنداً للشرعية ومضيفاً لها في الشرقية!
ويتندر أحد المسؤولين فيقول إن الحكام العرب ينقسمون، إزاء لبنان وحكم الشرعية فيه، إلى نوعين : قسم على إغراقنا وقسم آخر لم يتدخل لإنقاذنا، مع إنه يلبس الثياب المزركشة لمنقذي الغرقى والجاهلين بأصول السباحة في أعالي البحار!
في هذه الأثناء يتابع أطراف الحكم “هبش” بعضهم بعضاً، ويعمم كل منهم فضائح الآخرين، ويسف مستوى الأحاديث والحكايات إلى ما دون مستوى “الحكي على التنور”،
وباختصار فإن أهل الطائف يساهمون في إفساد حكم اتفاق الطائف وأطرافه،
وإن أهل الطائف يتصرفون وكأنهم يريدون وأد مولودهم البكر: اتفاق الطائف، والقضاء عليه قبل أن يكبر فيجلب عليهم العار.
ويظل السؤال معلقاً عن مصدر القرار، فلم يكن أهل الطائف في أي يوم أصحاب قرار،
ويظل الجواب المحتمل أو المفترض محزناً بل ومفجعاً: هل تراهم يتواطأون على إبادة شعب وإلغاء وطن، إذا ما كانوا عاجزين عن الإنقاذ؟!
وهل تراهم، فعلاًن عاجزين عن الإنقاذ،
أم إن الهم الأول الداهم هو إنقاذ الحكم في إسرائيل وبعد ذلك ينقذ من تقضي الضرورة بإنقاذه؟!
من هنا ينطلق السؤال الممض:
ألا يكمل هذا التخلي من قبل أهل الطائف المهمة التي تتولاها مدافع “الضابط المتمرد” ميشال عون وخصمه – الشقيق سمير جعجع؟!
ألا يتكامل التخلي وفرض العجز على الشرعيةت مع استشراس المتمردين والانفصاليين في تهديم ما تبقى من العمار وإبادة من تبقى من الأهالي، مع تركيز ناري كثيف على المسيحيين في لبنان؟!
هل أهل الطائف، ومن خلفهم، هم الشريك الثالث لميشال عون وسمير جعجع، ومن خلفهما؟!
أي: هل انتقل أهل الطائف من تبني الحكم الآتي باسم اتفاقهم إلى تبني القائلين بإسقاط هذا الاتفاق أو بنسف الحكم الذي يحمل باسمه، من الداخل؟!
ذلك هو السؤال الذي يغطي دويه على رجع صدى دوي المدافع التي تصب حممها على أنحاء الشرقية لكنها تصيب في مقتل كل مواطن في لبنان.
… وسلام على من أتبع الهدى!
أحمد الخطيب:
خطيئتهم وعارنا
لا يخفف “إطلاق سراح” الدكتور أحمد الخطيب، وبكفالة، من خطأ اعتقاله، كما إنه لا يزيل الغصة التي استشعرها كل مواطن عربي بسبب تجرؤ السلطة في الكويت على أحد رموز النضال القومي، وبالتالي على تراث الحركة القومية وحصانتها المفترضة.
فمنذ بداية الخمسينات وحتى اليوم ظل اسم الدكتور أحمد الخطيب يجسد ويعلي راية الهوية القومية للمواطن العربي في الكويت، بمقدار ما كانت مشاركته في الحياة السياسية شهادة لنظام آل الصباح ودليلاً على حنكة هذه العائلة الحاكمة ودهائها ونجاحها في تمويه تفردها بحكم هذه الدولة التي ولدت بعملية قيصرية سنة 1962.
ذلك إن هذا المناضل العريق الذي كان الطبيب الأول بين أبناء الكويت والخليج العربي، سرعان ما احتل مكانة مميزة ومكاناً خاصاً في قلوب مواطنيه ووجدانهم.
كان “الأول”، وبهذا كان علامة تطور فكري وسياسي وثقافي في منطقة الخليج (والجزيرة) بأسرها، خصوصاً وقد نجح في تقديم نفسه كوجه شعبي وكداعية للتقدم الاجتماعي، وكمؤسس للحركة الديمقراطية وسط ذلك المجتمع البدوي البسيط الذي كانت بساطته دافعاً لتوكيد انتمائه القومي وتقبل الديمقراطية كمرتكز للحكم وكأساس لقيام الدولة الصغيرة.
وإذا كانت السلطات الكويتية قد ارتكبت خطيئة سياسية خطيرة بإقدامها على اعتقال الدكتور أحمد الخطيب، فإن مما يحزن أكثر إن هذه الخطيئة قد تمت وسط صمت مريب، فلم يرفع أحد صوته – تقريباً – بالاستنكار أو بالاحتجاج على هذا التصرف البوليسي القمعي تجاه أحد مؤسسي حركة القوميين العرب، وأحد المناضلين الذين تعرف بيروت جيداً (بوصفه أحد خريجي الجامعة الأميركية) كما تعرف فلسطين مساهماته الجادة والدؤوبة من أجل نصرة قضيتها المقدسة.
ولقد عودنا حكام الكويت،في الماضي، أن يكونوا أكثر ذكاء وأكثر استجابة لحقائق الحياة ومقتضيات التطور. فما بالهم اليوم وبينما العالم كله يهتز بدعوة الديمقراطية والقومية والحريات العامة يلجأون إلى أساليب بائدة ولم تحصن أحداً ممن لجأ إليها واستخدمها في مواجهة المطالب البسيطة والمشروعة لشعبه؟!
البعض يهمس : هي الضغوط السعودية، خصوصاً بعدما استشرى “مرض” الديوانيات واللقاءات “الشعبية” فيها والتي خرجت من إطار السمر والمنادمة إلى الاهتمام بالشأن العام وقضايا المصير،
والبعض يعمم الضغوط على الجيران الأقوياء جميعاً،
لكن ذلك كله لا يغفر للحكم الكويتي أن يفقد بعض ميزاته، بل ربما بعض مبررات التسليم به والقناعة بأن يتم “النضال الديمقراطي” سلمياً وبسقف محدد لا يمس العائلة الحاكمة ولا يتجاوزها.
وما يعنينا ليس فقط ما يمس الكويت في تراث “تجربتها الديمقراطية”، ولكن ما يمس كرامة العرب كأمة يعاملها حكامها وكأنها لم تبلغ سن الرشد بعد وليس لها الحق في الحد الأدنى من تحقيق الذات ومن “الشورى” التي بشر بها قرآنهم الكريم قبل ألف وأربعمائة عام ونيف.

Exit mobile version