يا لثارات عنزه!
تحت هذا الشعار المقدس دخلت المملكة العربية السعودية، وأدخلت معها معظم الخليج، الحرب فياليمن كطرف ثالث،
والبعض يقول مستدركاً أو مصححاً: بل هي الحرب على اليمن، لا على عشيرة علي عبد الله صالح (صحبان)، ولا على القبيلة الأم: حاشد!
في أي حال، فقد تخلت مملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض، عن حذرها التقليدي “العريق”، وخرجت على احترافها اللعب تحت الطاولة واعتماد التعبير عن سياستها بالإيحاء أو بالإيماء أو بتلك الوسيلة التي لا تخيب ولا راد لسحرها والتي لا تحتاج معها إلى أي كلام…
ليست المملكة، فجأة، ثياب الحرب ضد “الشمال”، معلنة انحيازها إلى “الجنوب” جهاراً نهاراً وبلا تحسب أو تخوّف من نتائج المخاطرة في الرهان على “اشتراكية” القبيلة الحزبية التي تحتل قمة السلطة في عدن.
فالذهب أقوى من العقيدة في السلم فكيف في الحرب؟!
ثم أنها قد جرّت معها دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر، إذ استنفرتها حين صوّرت المعركة ضد علي عبد الله صالح بمثابة ملحق لـ “عاصفة الصحراء”، لاستئصال “حلفاء” صدام حسين وفي الطليعة منهم الرئيس اليمني المعاند في ترسيم الحدود، ومعه، وربما قبله الملك الهاشمي الحسين بن طلال في الأردن.
هي إذاً، ومرة أخرى، معركة تحرير “الفرع من الأصل”، وكما نجحت المعركة الأولى في “تحرير” الكويت من عراق صدام حسين، فلا بد أن تنجح الثانية، خصوصاً وقد استأصلت الاكتشافات النفطية “الاشتراكية” من الجنوب وأعادت علي سالم البيض تاجراً حضرمياً يتقن فن الحساب والتحالفات… وما كان ينقصه من “العلم” في ظل النظام الماركسي جاءه من الرفاق القدامى الذين باعوا الماركسية بأول مليون دولار قبضوها كعمولة لسبقهم في دخول جنة النظام العالمي الجديد عن طريق الأخذ باقتصاديات السوق والتعددية السياسية مع التغاذي، مؤقتاً، عن حقوق الإنسان.
لقد دقت الساعة لتنفيذ الجزء الآخر من وصية الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود: شركم من اليمن وخيركم من اليمن!
مضى زمن الشر، وها قد جاء زمن الخير.
وهكذا وقف سعود الفيصل ليعلن الانتصار الثاني للحملة التي قادها أبوه، الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، بعد أكثر من نصف قرن… فالثارات الملكية لا تموت ولا تسقط بمرور الزمن.
ها هم اليمنيون يحققون بأيديهم ما عجز عنه السعوديون،
بل إنهم يتجاوزون في أدائهم المدمر أقصى التمنيات التي أراد أبناء عبد العزيز تحقيقها فأقعدتهم عنها التوازنات الدولية والقدرات الذاتية كما الصمود اليمني حتى في ظل حكم الإمام.
فبعد المعدات العسكرية من دبابات وآليات وطيران ومؤسسات مدنية (على ندرتها)، ها هي النار تلتهم إحدى أهم مصافي النفط في المنطقة، مصفاة عدن، معيدة تلك المنطقة من العالم، وبالفعل لا بالنكتة، إلى ما كانت عليه في أيام سيدنا آدم.
… لكأن اليمنيين، في الشمال والجنوب على حد سواء، يستدرجون الاحتلال الأجنبي للعودة إلى أرضهم من جديد، بما في ذلك تلك المناطق التي لم يدخلها مستعمر قط عبر التاريخ،
ولكأن السعوديين يقدمون أنفسهم لدور الوصي الرسمي، وتحت مظلة مجلس الأمن والقرار الأميركي، على كل اليمن، انطلاقاً من الجنوب.
ولعل السعودية قد أرادت بإعلان موقفها محاصرة الممثل الشخصي المعين حديثاً للأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، ووضع سقف واطئ لدوره التوفيقي العتيد في اليمن الممزق والنازف وحدته وإمكاناته وأحلامه في غد أفضل.
ومع التقدير لكفاءة “سي الأخضر”، والتي يعرفها اللبنانيون بالتجربة الحسية الباهرة، فإن الوضع الذي سيواجهه في اليمن أكثر تعقيداً مما عرف في لبنان 1989.
فهو لن يواجه هناك “ميشال عون” واحداً، بل مجموعة من جنرالات الصدفة المهووسين بالسلطة، والذين يعتبر كل منهم نفسه قائداً تاريخياً فذاً أرسلته العناية الإلهية لإنقاذ الشعب،
كذلك فهو سيواجه “أطرافاً مكتومة” في هذه الحرب التي أعلن السعوديون “تعريبها” رسمياً عشية وصوله إلى اليمن المحترق بنار الانفصال والتي لا يكف الطرفان عن إشعالها،
ثم أنه سيواجه موقفاً أميركياً ملتبساً، إذ أن واشنطن التي قدمت نفسها قبل أربع سنوات وكأنها الطبيب المولد لدولة الموحدة، هي التي أعلنت وبلسان أحد دبلوماسييها المتخصصين في المنطقة “البلاغ العسكري الرقم واحد” للانفصال، كما حددت للحرب مسارها وقواها ونتائجها المحكمة باستنزاف طويل ينهي طرفي القتال من غير أن ينتهي بمنتصر ومهزوم.
ومع استمرار الحرب وحشية في دمويتها وفي شمولية التدمير، فمن المستحيل أن يدعي أي يمني أنه منتصر الآن أو غداً فيها،
هذا في حين يشكل إعلان السعودية دخولها الحرب، من باب الوصاية على اليمن بشماله وجنوبه، التمهيد لاعتبار نفسها المنتصر الوحيد في حرب الإبادة التي تطحن بمن “الثورتين”.
“الوحيد”، بمعنى أن السعودية تختزل الولايات المتحدة الأميركية ومن معها في البعيد والقريب، ولاسيما هنا في القريب.
ملحوظة على الهامش: لا تحتاج إسرائيل إلى مبررات إضافية لضرب لبنان، لكن هذه الحرب الفائضة عن الحاجة التي تمزق اليمن والتي تعطي ذريعة لانشغال السعودية والخليج في شؤون الأمن القومي لتلك المنطقة، توفر للعدو الإسرائيلي فرصة نموذجية لكي يكمل تصفية الحساب مع قوى الصمود في لبنان، إرباكاً لسوريا واستفزازاً لها تمهيداً لابتزاز الجميع… من أجل العودة إلى المفاوضات على اللاشيء!