طلال سلمان

على الطريق السارق من بيت أبيه!

في الروايات إنه لما رجع سعود بن فيصل بن عبد العزيز بعد التوقيع على “بيان دمشق”، في آذار الماضي ومباشرة بعد انتهاء “عاصفة الصحراء”، والتقى عمه الملك فهد، سمع منه كلاماً قاسياً يمس الشعور الملكي ويخدش حياء الأمراء – الوزراء.
كان سعود الفيصل يرى إنه قد “أنجز” فرد الجميل “إلى الأخوة السوريين والمصريين” الذين بذلوا الدم من أجل حماية السعودية والخليج، ووفروا الغطاء العربي الضروري جداً للحملة الأميركية والذي من دونه ما كان أمكن للأميركيين أن يحشدوا وأن ينزلوا على الأرض العربية وأن يواجهوا فيقاتلوا طرفاً تظل بلاده، برغم أخطائه الفاحشة، بعض هذه الأمة وبعض عدتها للأيام “الإسرائيلية” السوداء،
أما الملك فهد – ومعه معظم حكام الخليج – فقد رأوا في البيان توريطاً سورياً – مصرياً، بل ربما رأوا فيه “أبتزازاً”، وفي كل الحالات استفزازاً للأميركيين وللأسر الحاكمة، وإعلاناً صريحاً بعجز هذه الأسر عن توفير القوة الذاتية الكافية لحماية عروشها.
منذ ذلك اليوم انتهى “بيان دمشق”،
وفي اللقاءات التي تلت وبهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه منه، وبرغم التوضيحات السورية المتكررة، وبرغم التراجعات المصرية الفاقعة، فقد بقي البيان الهزيل أصلاً، والذي قفز من فوق الكثير من القيم والاعتبارات والحقائق السياسية الثابتة، بقي حبراً على ورق، بل وصار مطلوباً الاعتذار عنه ودفع كفارة!
ربما في مجال الرد عليه كانت تلك الموافقة السعودية المبكرة والمهينة على اشتراك مجلس التعاون الخليجي في محادثات “مؤتمر السلام”، وبصفة “مراقب” وكأن أهل الجزيرة والخليج قد خرجوا من عروبتهم وعليها وتنصلوا من قضايا أمتهم وعلى رأسها فلسطين والقدس التي قتل فيصل بن عبد العزيز قبل أن يتسنى له أن يصلي فيها!
ومن بعد انتقل الخليجيون وبقيادة السعودية ممثلة ببندر من سلطان إلى الهجوم، فلم يكتفوا بالتنصل بل تحولوا إلى قوة ضغط على الموقف العربي قبل مدريد ثم فيها، وتجرأ عبد الله بشارة على الدخول في حوار علني مع ديفيد كيمحي، في حين كان الملك فهد يستدرج حسني مبارك و”يغازل” الملك حسين ولو بشكل غير مباشر، لعزل سوريا واستفرادها ومن ثم “إقناعها” بضرورة التساهل والتنازل عن أبسط الشروط من أجل مفاوضات مجحفة ولكنها أكرم قليلاً – ولو في الشكل – من “اتفاق الاذعان” أو الاستسلام!
لذا فمن حق “نيويورك تايمز” أقوى الصحف الأميركية وأعظمها نفوذاً والتي يملكها اليهود ويوجهون سياستها أن تقول في افتتاحيتها ليوم 5/11/1991 ما ترجمته الحرفية:
“الإنجاز الكبير في مدريد أن أحداً لم يصفق الباب خلفه بغضب، بعدما واجه العرب والإسرائيليون بعضهم البعض، كمفاوضين، للمرة الأولى، لكن أمراً آخر يزيد من تميز مؤتمر السلام وهو إنه يظهر إنه لم يعد هناك “أمة عربية” واحدة، بل شعوب ودول متفرقة أصبح زعماؤها – أخيراً – أحراراً في انتهاج سبل مختلفة.
الـ .. مدريد تعني الآن نهاية صورة “العرب” كجسم واحد معاد ولا عقلاني. قد لا يكون هذا التغيير كافياً، لكنه ضروري وشرط للسلام”!
دول “بيان دمشق” ستلتقي، مرة أخرى، بعد يومين، في القاهرة.
إنها محاولة جديدة لمحاصرة دمشق والضغط عليها “لتليين” موقفها في اتجاه القبول بمباشرة المفاوضات المتعددة الأطراف حتى من قبل أن تتوصل المفاوضات الثنائية إلى أية نتائج ملموسة على طريق تحقيق مقايضة الأرض بالسلام، وفقاً لشعار مبادرة بوش التي يرتكز إليها مؤتمر مدريد.
ولقد سبق الملك حسين الجميع إلى إعلان موافقته على “المتعددة” متجاهلاً الضرر الفادح الذي سيلحق بسوريا ولبنان (واستطراداً بالفلسطينيين) من جراء هذا التنازل المجاني الجديد،
بل إن الوفد الفلسطيني المفاوض في مدريد قد تسرع، هو الآخر، بإعلان موقف مؤيد لهذه الوجهة، باعتبار إنه غير معني في ما يتجاوز “الحكم الذاتي” لأهل الداخل في بعض الضفة والقطاع.
“أصبح الزعماء العرب أحراراً في انتهاج سبل مختلفة”!
لكم في هذه الجملة من مغالطات، أين منها الجملة النموذجية الشهيرة عن “الخسن والخسين بنات معاوية”!
“زعماء” و”عرب” و”أحرار” ثم… “السلام”؟!
ولكن من قال إن مؤتمر مدريد سيأتي بالحماية أو بالضمانة المطلوبة لاستمرار هؤلاء؟! وليس التساؤل من باب التهديد “بثورة الجماهير” التي لا مجال لترقبها في المدى المنظور، غير إن إنجاز الصفقة وضمان استمرارها وتأمين “عصر السلام” الأميركي الآتي كل ذلك قد يفرض تغيير الأدوات المستهلكة.
وثمة روايات كثيرة وثابتة عن السارق من بيت أبيه!

Exit mobile version