أهم ما في كلام رشيد الصلح أنه قاله، وقاله من موقع المسؤول الأول عن السلطة التنفيذية في لبنان، وقاله أمام المجلس النيابي وفيه، ولم يقله في أي مكان آخر.
أما أهم ما كشفه كلام رشيد الصلح لكل اللبنانيين، ومن موقع المسؤولية، فهو حقيقة الأزمة الكبرى التي يعيشها نظامهم ويفرض عليهم – بالتالي – أن يعيشوا في ظلها أسرى التوتر الدائم والرعب والقلق على الذات والوطن والمصير.
لقد حجم رشيد الصلح أزمة النظام في لبنان، متجاوزاً حكاية الاستقالات ومن فاز بقصب السباق في تقديمها، وحكايات الوزارات البديلة والترجيحات الخاصة بتكليف هذا أو ذاك من الأقطاب وأرباب اللعبة السياسية العبقرية!
وإدانة الكتائب تأتي في هذا السياق، لا خارجه.. فالدور الذي لعبته الكتائب وتلعبه لا يختلف، في جوهره ، عن الأدوارالتي لعبها ويلعبها السادة الأقطاب منذ فجر الاستقلال وحتى اليوم، والتي حققت نتيجة أساسية تمثلت بإفقاد الاستقلال مضمونه الوطني وزخمه التغييري حتى يبقوا لبنان وشعبه رهائن لإقطاعياتهم وفكرهم المتخلف وأطماعهم وارتباطاتهم بالأجنبي ورساميله واحتكاراته.
والكل اليوم في مواجهة الأزمة بحجمها الطبيعي: ليست قضية أشخاص، وليست حتى قضية طوائف، ولكنها قضية الوطن…
الوطن بما هو شعب له مطامحه المشروعة إلى مستقبل أفضل، يختفي فيه التمييز بين المواطنين حسب طوائفهم أو مناطقهم أو انتماءاتهم السياسية فيقبل الخانع والرجعي والمرتزق والمستسلم “لقدره” ويطرد عن باب الدولة التقدمي والمناضل والشريف والرافض للعبة القهر الطائفية القذرة.
والوطن بما هو أرض يكون بها ويزول بزوالها، ويدافع عنها ويدفع العدو الطامع مهما كلفه ذلك من تضحيات.. حتى لا يبقى لنا أسطورة: هو “العالم” ولكنه لا مكان! هو الكواكب مجتمعة، وهو منافس النجوم ومانحها الضياء والإشعاع ولكنه “لا أحد” إذ أن الهوية تحديد، والأرض ارتباط، والانتماء قيد وممارسة العداء ضد غاصب الزام، وهو مع الحرية ولا شيء إلا الحرية المطلقة التي لا علاقة لها لا بالزمان ولا بالمكان ولا حتى بالإنسان!
لقد خرج رشيد الصلح كبيراً، وترك وراءه الأزمة الكبيرة أصلاً، والتي كان الكل يجتهد في تمويه حجمها حتى لا يكشف صغره إزاءها.
أما الآن فالأزمة في القصر تنتظر قادراً يقول: أنا لها!
وأغلب الظن إنها ستنتظر طويلاً،
لكن المؤكد إنها لن تصغر مهما تشاطر الأقطاب ومهما تساندوا وتكاتفوا ليصطنعوا من مجموعهم واحداَ كبيراً!