بعيداً عن الاعتبارات الطائفية وأصول المجاملات المذهبية، ولياقات التعايش بين الأديان، وبعيداً عن التحرج من قول كلمة الحق خشية سوء التفسير، لا بد من كلمة صريحة حول قضية المطران غريغوار حداد.
ذلك إن قضيته ليست بحت “لاهوتية” بمعنى إنها تمس وبالتالي تخص رجال الكهنوت وحدهم، كذلك فهي ليست “طائفية” بمعنى إنها تمس وبالتالي تخص الروم الكاثوليك وحدهم،
إنها تتركز في تلك النقطة التي تتقاطع فيها الأديان والمذاهب والطوائف جميعاً: الإيمان،
كما إنها تتصل بتلك العلاقة الجدلية الثابتة بين طموح الإنسان المشروع لغد أفضل لا بد أن تمر طريقه بحرية الفكرن وبين النزعة المحافظة المعروفة عن رجال الدين عموماً والتي تصل محافظتها في بعض اللحظات إلى عداء حقيقي للاجتهاد والمجتهدين وللرغبة في الوصول إلى الغيمان بالقناعة عبر المناقشة والاختيار والفكر المفتوح وليس بتقديس السلفية والطقوسية وكل تقليد موروث.
ولقد سبق أن تعرض العديد من رجال الدين المسيحيين والمسلمين، وفي عصور مختلفةن لمثل ما يتعرض له المطران حداد اليوم، وصدرت بحق بعضهم أحكاماً بالحرم أو بالعزل أو بكسر الرتبة. لكن تاريخ الطموح الإنساني المشروع للأمثل والأكمل والأسمى أثبت أسماءهم في سجله كمنارات فكرية أو كعلامات نضالية على الطريق إلى حياة أكرم لبني البشر لا يمكن أن يكون في توفرها ما يغضب الله، جل جلاله، أو يشكل خروجاً على تعاليم الأديان السماوية.
وإنها لمن المفارقات ذات الدلالة أن يجد السينودس الكاثوليكي نفسه في مواجهة قضيتين نموذجيتين كقضية المطران كبوجي وقضية المطران حداد.
في الأولى لا يملك غير إعلان الاستنكار الصريح للعسف الذي مارسه ويمارسه العدو الصهيوني ضد رجل دين لم ينس لحظة واجبه الوطني والقومي والإنساني في مقاومته بكل ما ملكت يداه.
وفي الثانية يتخذ موقفاً متزمتاً ضد رجل دين كل ذنبه أنه حاول توظيف علمه (اللاهوتي) وفكره ومنصبه الديني في ما اعتقد أنه يفيد الإنسان عامة، ويفيد الدين المسيحي والمذهب الكاثوليكي خاصة.
ولا بد إن كثيرين ممن تابعوا أعمال السينودس يتساءلون الآن:
إذا كان ما أقدم عليه المطران غريغوار حداد – وهو خاضع للتأويل – يصنف بين الذنوب والآثام، فكيف بما ارتكبه المطران إيلاريون كبوجي وهو لا يحتمل أي تأويل؟!
على أن روح العصر هي التي تفرض ذاتها، في النهاية.
والمهم من يكسب قضية الإنسان، قضية الوطن الحر والفكر الحر والإيمان الحر.
وفي رأي كثيرين أن موقع غريغوار حداد قريب من موقع ايلاريون كبوجي…
برغم الاختلاف في الوقائع والظروف وجهة الادعاء.