طلال سلمان

على الطريق المشانق لا تطعم الجياع

ليس أمراً مفرحاً للرئيس المصري حسني مبارك أن يذكره التاريخ مسبوقاً بوصف مفاده إنه في عهده “تم إعدام أكبر مجموعة من المتهمين بجرائم سياسية في تاريخ مصر الحديث”، كما تناقلت الوكالات والإذاعات العربية والدولية، أمس،
ومع الإدانة المطلقة للمتسببين والمحرضين والمنفذين للاعتداءات على المنشآت السياحية وعلى السياح الأجانب، ومن قبلهم ومن بعدهم على المواطنين المصريين (بمن فيهم رجال الشرطة)، فليس من مصلحة النظام المصري أن تتم محاكمة هؤلاء “خارج القضاء الطبيعي”.
وفي الأقوال المأثورة أن القضاء العسكري هو قضاء بقدر ما هي الموسيقى العسكرية موسيقى.
ثم إن القضاء في مصر هو بعض رصيدها المعنوي العظيم، ومن مصادر الاعتزاز العربي، عموماً، أن تكون مصر قد أنجبت عدداً من كبار المشرّعين، وأن رجاجل القضاء فيثها أرسوا دعائم للعدالة كحصن للديموقراطية وكرامة الإنسان، وفي التراث الديموقراطي للوطن العربي، ككل تلك المعارك التي خاضها القضاء المصري دفاعاً عن استقلاليته وعن رفضه الخضوع لإرادة السلطة السياسية.
وتخطئ السلطة، أية سلطة في أي مكان من العالم، حين تفترض أنها بتسخير القضاء لأغراضها السياسية إنما تحصن نفسها وتزيد من هيبتها وتضمن لنفسها الاستمرارية.
فالقضاء ليس طرفاً ولا يجوز أن يكون في المشاحنات والخصومات السياسية.
وأمام القضاء تصبح السلطة المدعية طرفاً مثلها مثل خصومها المدعى عليهم، لا حصانة ذاتية لها ولا امتياز… بل إن من واجب القضاء منعها من استخدام موقعها الممتاز لإلحاق الغبن أو للافتئات على حقوق من تضعهم في موقع الخصوم ثم تقاضيهم باسم السلطان.
ثم إن مجرد اللجوء إلى المحاكمات العسكرية يتضمن أحد أمرين: إما الطعن بكفاءة القضاء الطبيعي (وفي مثل الموضوع المطروح الطعن بوطنيته أيضاً)، وإما التخوف من تحصنه باستقلاليته وبقواعد العدالة بما يعصمه من الخضوع لإرادة السلطة وتحرقها إلى الانتقام والكيد لخصومها، ولو بتجاوز القانون.
ومرة أخرى فإن “التطرف” الذي تتهم بقيادته “الجماعة الإسلامية” مشكلة سياسية ولا يمكن حلها باعتماد الوسائل والأساليب ا لأمنية.
فالشرطة لا تطعم الجائع خبزاً، خصوصاً وإنها هي نفسها بحاجة إلى الخبز.
كذلك، فأحكام الإعدام، مهما بلغ عددها، لا تقدم حلولاً للمعضلة الاقتصادية بكل أبعادها الاجتماعية الخطيرة.
ومن الأفضل لو أن موقع الرئاسة ظل خارج دائرة الصراع، فإذا كان لا بد من توظيف مكانته المرجعية فمن أجل فتح باب الحوار السياسي، كتبني الدعوة إلى مؤتمر وطني، مثلاً، ينعقد من أجل سلامة مصر، وحقوق المصريين في الكرامة الوطنية كما في الرغيف.
ومصر أغلى من بعض أبنائها قطعاً، بمن في ذلك الرئيس وسلامة مصر تتقدم على حصانة المؤسسات، ولكن من يجرؤ على الادعاء أن تصديع القضاء يخدم سلامة مصر الوطنية، أو شرعية مقام الرئاسة.
والمهم أن ندقق في هوية الشخص “الثامن” الذي سيساق إلى المشنقة التي ثبت أنها لا تحل من المشكلات أكثر مما تخلق.

Exit mobile version