… وأخيراً يصل نيكسون “الفاتح”، ومعه كيسنجر “الساحر”، إلى قاهرة المعز، حيث سيلقيان حفاوة عز عليهما أن يحظيا بمثلها في أي مكان من العالم، بما في ذلك المدن الأميركية ذاتها، بل خاصة المدن الأميركية.
لا حرام في السياسة، ولا عيب. ثمة مصالح فحسب.
وإذا كنا، ربما لنقص في الهداية، لا ندرك بعد مصلحتنا في تشريف الرئيس نيكسون، فإن مصالحه مكشوفة لا يغطيها ستر ولا حجاب، ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
1 – الحصول على ضمان عربي لأمن إسرائيل ومستقبلها.
2 – ضمان استمرار تدفق النفط العربي، وبسعر مقبول أميركياً، إلى الولايات المتحدة في إطار من حماية الاستثمارات الأميركية الطائلة في المنطقة، وفتح مزيد من الأبواب أمامها.
3 – محاصرة الوجود السوفياتي، طالما يتعذر طرده من المنطقة، كما اعترف كيسنجر ، بحيث يبقى جزيرة وسط بحر النفوذ الأميركي.
4 – تجميد حركة الثورة العربية وتعطيل فاعليتها بتنمية التناقضات بين الأقطار بعضها البعض من جهة، وبين الشعب وحكامه من جهة أخرى، بما يمنع أي توجه وحدوي يمهد لقيام قوة عربية كبرى.
5 – توظيف هذه النجاحات جملة لتأمين بقائه رئيساً للولايات المتحدة، ومجابهة خصومه جميعاً بحقيقة أنه منقذ المصالح الأميركية وموفر الحماية لها في أرض العرب. وإذا كان الخصوم ينفذون إليه من “بوابة الماء” – ووترغيت – فإنه الآن حارس “بوابة الذهب الأسود” .
ولقد ينجح نيكسون في تحقيق أغراضه هذه، جميعها أو معظمها، لكن نجاحاته ستكون على حساب مستقبليه والمرحبين به. ذلك أن التناقض بين المصالح العربية ومصالح الإمبريالية الأميركية قائم ومستمر ورئيسي، طالما استمرت الولايات المتحدة زعيمة للإمبريالية، وبالتالي حامية لإسرائيل: العدو القومي للعرب، كل العرب.
أما إذا فشل نيكسون فلن يكسب مستقبلوه شيئاً، لأنه ببساطة “سيطير” من منصبه على رأس الدولة الأميركية العظمى.
وهكذا المعادلة: هو يغامر في سبيل ربح محتمل يعوض خسارة محققة وأكيدة، وهم يقامرون بما حققته لهم حرب رمضان المجيدة في سبيل ربح مستحيل بشهادة “تاريخ” كامل بين محطاته 1947 و1948، و1955، و1956، و1958، و1961، و1965، و1966، و1967.
… حتى 6 تشرين الأول (أكتوبر) 973، دون أن ننسى 22 منه!
أما “الجغرافيا” فقد استشهدات قبل وصول ضيفنا الكبير… وربما كشرط لمجيئه!