بغض النظر عن مدى الصواب أو الخطأ في “الاجتهاد” الذي انتهى إليه الرئيس رشيد كرامي بإعلان تشكيل “الهيئة الأمنية” ومن ثم الاعتصام في السرايان يظل الرئيس سليمان فرنجية هو المسؤول الحقيقي الأول والأخير عن الوضع القائم في البلاد، وعن استمرار هذا الوضع.
فرشيد كرامي يمارس كل “المسؤولية الوطنية” للحاكم من دون أن يكون حاكماً بالفعل، حتى لتبدو هذه الممارسات كجزء من مزاياه الشخصية كرجل دولة أكثر منها إرادة أو طريقة عمل صاحب السلطة.
وعندما يستنكف كميل شمعون عن الانضمام إلى “رئيسه” رشيد كرامي في السرايا فإن البحث عن (سر) هذا الاستنكاف سيتم في القصر الجمهوري وليس خارجه، وسينظر إليه على إنه تعبير عملي واضح عن حقيقة موقف سليمان فرنجية من حكومة رشيد كرامي ومن مهمتها “الانقاذية” ، ناهيك بهيئة الحوار!
على إن الناس سيحفظون لرشيد كرامي إنه حاول، وإنه اجتهد، وإنه بذل كل ما يستطيعه،
وسيحفظون له الوجه الإيجابي “للأخطاء” التي سجلها عليه حلفاؤه وأصدقاؤه: فهو لم يستشر صائب سلام وريمون اده حتى لا يقال إن “التحالف الثلاثي” هو الذي يتصرف، ولا استمزج كمال جنبلاط الرأي تحاشياص لاستغلال شمعون والكتائب لمثل هذا التصرف الذي قد يريان فيه “استفزازاً” للميلشيات..
وسيحفظون له إنه راعى شخص رئيس الجمهورية ومقامه حتى وهو على يقين من أن الشخص غلب المقام، فتحول إلى طرف بدل أن يكون الحكم والأب والمرجع الأخير.
وسيحفظون له أخيراً أنه “افتدى” النظام بشخصه ورصيدهن بينما الأكثر منه مسؤولية عن النظام وبينهم أصحاب اليمين، تصرفوا بالطريقة الأشد إيذاء للنظام في حاضره ومستقبله، لاسيما في مستقبله.
بل إن أي ماروني مستنير سيحفظ لرشيد كرامي جميلاً لا ينسىن فهو “بموقفه التاريخي” منذ أربعة شهور وحتى اليوم يبدو وكأنه يقاتل دفاعاً عن الموارنة ووضعهم الممتاز في حين لا يفعل زعماء الموارنة – وبينهم رئيس الجمهورية – غير تعريض هذا الوضع الممتاز للخطر وللاندثار أسرع بكثير مما كان يقدر الخصوم والمتضررون وحتى المراقبون المحايدون.
وهكذا تنبت الأرض اللبنانية مفارقات طريفة وغريبة وعجيبة:
فتبدو المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها وأصدقاؤها أخلص في الدفاع عن النظام اللبناني من أهل النظام والمباهين بالصيغة اللبنانية الفريدة،
ويبدو رشيد كرامي، ممثل المسلمين السنة في الحكم، أحرص على الوضع الممتاز للموارنة من زعماء الموارنة السياسيين وقادة الميليشيات المسلحة المكرسة “لحماية” الموارنة و (حقوقهم التاريخية)!
.. ويبدو اليسار مقاتلاً في خنادق النظام وكيانه الجغرافي ضد الذين يحاولون تهديم هذا النظام الإقطاعي المتعفن المتحجر، وضد الذين يريدون تقسيم الكيان، يدفع بالدم ثمن استمرار لبنان موحداً، على أن يناقش في ما بعد شروط إصلاح نظامه، وسبل هذا الاصلاح الأغلى من خمسة آلاف قتيل و10 آلاف جريح، أو يزيد..
لكن المفارقات لا تنقذ أحداً، في النتيجة، وهي تنتهي إلى نقيض المقصود منها تماماً إذا لم تجد من يفيد منها.
وهذا ما سوف يكون. وهذا ما سوف يسأل عنه، في خاتمة المطاف، بيار الجميل وكميل شمعون واساساً سليمان فرنجية.