كلما وقعت حادثة شبيهة بحادثة المطران كبوهي نفاجأ، جميعاً، مرتين:
الأولى لأن مواطناً ارتقى إلى رتبة المناضل وانخرط في أتون مقاومة العدو الإسرائيلي، برغم كونه رجل دينز
والثانية لأن إسرائيل تعتقل المناضلين وتعذبهم وتضرب عرض الحائط بسائر الأعراف والقوانين الدولية، حتى لو كان المعتقلون رجال دين!
وفي المفاجأة الأولى ظلم للإنسان العربي، ظلم لجوهره، لطبيعته، لصدق وطنيته الأبقى من المناصب والوظائف والمقامات، بغض النظر عن طبيعتها.
أما المفاجأة الثانية فيكمن خلفها حول سياسي خطير يكشف عن قصور فاضح في نظرتنا لإسرائيل وفي فهمنا لطبيعتها، برغم أن إسرائيل لم تتبدل ولم تتغير منذ أن كانت مشروع دولة وحتى غدت مشروع إمبراطورية، وهي لن تتبدل ولن تتغير مهما طال الزمن وطالما استمرت دولة.
المفاجأة الأولى توحي وكأن القاعدة أن يستكين العرب (والفلسطينيون منهم بالذات) للاحتلال الإسرائيلي، أما بفعل الرهبة أمام جبروت العدو، على الرغم مما أثبتته عمليات الفدائيين، جزئياً، وأكدته حرب رمضان بصورة قاطعة، من أنه عدو يقهر ويقهر ويقهر، وأما بفعل اليأس من جدوى النضال في هذا الزمن الكيسنجري الرديء!
أما الانخراط في صفوف المقاومة ، بأي شكل من الأشكال، وبأي صيغة، بل وبأي نسبة، فهو الاستثناء!
والمفاجأة الثانية توحي وكأن إسرائيل تتصرف بهذا الشكل الأخرق لأول مرة في تاريخها، وربما لآخر مرة أيضاً. ومن خلال سطور بيانات الاستنكار المكتوبة بلغة الجمعيات الخيرية، لا تسقط فقط الهوية الحقيقية للعدو الإسرائيلي، وإنما يبرر أيضاً منطق أولئك المتعاونين معه أو المستكينين لاحتلاله أو المنادين بالتعايش معه – على قتلهم ووضوح انحرافهم -.
ومع سيادة جو المفاجأة هذا، ولغة الجمعيات الخيرية هذه، ومسلسلس البيانات الإنشائية المنسجمة مع الجو واللغة المذكورين، يمكن لشخص كالمطران ريا أن يقول الذي قاله،
ويمكن للعديد من رجال الدين أن ينسحبوا إلى داخل أثوابهم الكهنوتية مرددين: إنما اختصاصنا أمورالدين، أما أمور الدنيا فلا علاقة لنا بها، وأما السياسة فرجس من عمل الشيطان لا بد أن تجتنبه!
وهكذا يظل النموذجان المتناقضان تماماً لرجل الدين مقبولين، مما يلغي الكثير من فعالية أمثولة المطران كبوجي.
ولقد آن لنا أن نساعد رجل الدين، في هذا العصر الذي سمته الأساسية النضال ضد الاستعمار والصهيونية، على أن يحسم أمره ويتخذ موقعه في قلب حركة نضال أمته مؤمناً أن موقعه هذا هو على الطريق إلى الله.
ومساعدتنا تكون مخلصة بمقدار ما تلزم رجل الدين باختيار الموقع النضالي.