عندما تتصرف القاهرة وكأنها أقرب إلى عمان منها إلى المقاومة، يغدو من حق المقاومة أن ترى في جنيف واشنطن، وفي واشنطن تل أبيب.
وعندما تتصرف الرياض وكأنها أقرب إلى المقاومة وأبعد عن عمان، وبالتالي عن جنيف وواشنطن، من القاهرة، تبدو الرياض قاب قوسين أو أدنى من … موسكو!
فالأبعاد الجغرافية تقررها المصالح، والسياسة – في العادة – ممارسات دقيقة تستهدف حماية المصالح وتأمينها، بالتوافق حيناً وبلعبة استغلال التناقضات حيناً آخر.
على إن الخط الثابت في هذه الخارطة الزئبقية إن القاهرة كانت ويجب أن تبقى، برغم كل الظروف، عاصمة المقاومة، ليس فقط لأسباب فلسطينية أو حتى عربية، وإنما أولاً لأسباب مصرية. فمصر هي، تاريخياً وبمعنى الماضي والمستقبل، فلسطين الكبرى. ولم يكن أبو عمار مخطئاً حين أشارإلى أن عدد الشهداء الذين دفعتهم مصر، على طريق فلسطين وباسمها ومن أجلها، يزيد عن عدد الشهداء الفلسطينيين منذ 1947 وحتى اليوم.
والحقيقة التي غابت عن ذهن الحاكم في القاهرة إنه بمقدار ما يبتعد عن فلسطين يبتعد إطرادياً عن جنيف، وإن طريقه إلى واشنطن لا تمر بعمان، وكذا طريق التحرير!
فعمان هي الخيار الآخر، وليست المعبر.
وعندما يستغرب الرئيس السادات رفض العرب (بمن فيهم المصريون) للبيان المصري – الأردني الشهير، يكون قد أعطى عمان مرة أخرى فوق ما تستحق وما تتوقع هي ذاتها أن تحصل عليه، ومن القاهرة بالذات.
ولقد آن أن تنهي القاهرة عملية الابتزاز التي يمارسها عليها النظام الأردني، فهو بعد أن “أخذ” منها البيان بكل ما فيه من تنازل عن دور مصر وعن رصيدها الفلسطيني والعربي، انقض على منظمة التحرير يستلب منها حقها في تمثيل أي فلسطيني عندما أعلن أنها عاجزة عن التفاوض باسم شعب فلسطين.
ولسوف يستمر النظام الأردني في ابتزاز القاهرة،
فإذا ما وصل إلى كامل أغراضه منها التفت إلى سوريا يبتزها هي الأخرى، مستقوياً عليها بالموقف المصري،
.. ومن دمشق إلى المقاومة، أو المنظمة، أو فلسطين يعمل على إلغائها تماماً، ليس فقط في جنيف، بل حتى في كتب التاريخ والجغرافيا.
وتجيء الضربة الإسرائيلية المتوقعة مثل كلمة “النهاية” لتشطب مرحلة برمتها من تاريخنا الحديث، ولتعيد عقارب الساعة إلى ما قبل 6 تشرين الأول 1973 لنثبتها – مرة أخرى – على ظهر ذلك اليوم الجهنمي القيظ : 5 حزيران 1967.
أما جنيف فستنتظر آنئذ المستسلمين فقط، الذين سيجيئونها – لو جاءوا – عن طريق عمان.
أما جنيف المشرفة، على حد وصف الرئيس السادات، فالطريق إليها عبر القدس وليس عبر عمان.