العلمان الأبيضان اللذان رفعهما أحد الإسرائيليين على شرفة منزله في نهاريا، أمس، هما هدية المقاومة الفلسطينية إلى لبنان خاصة، وإلى الأنظمة العربية عموماً،
بل أنهما هدية من المقاومة إلى المقاومة ذاتها،
إنهما رمز بسيط لما يمكن أن يوصل إليه النضال الدؤوب، المستمر، العنيد والذي طرقه متوهجة بدم الشهداء.
طبعأً لم ينظر أحد إلى العلمين الأبيضين على أنهما دليل على قرب “استسلام” إسرائيل أو سقوط دولتها،
لكن رفعهما يجسد حالة يعيشها الإسرائيليون، برغم غارات طائراتهم الجبارة المتكررة على لبنان والفلسطينيين فيه،
وبرغم تصريحات مسؤوليهم الكبار، وجنرالاتهم الكبار، المبشرة بقرب القضاء على الفدائيين، بل والفلسطينيين ومعهم من تيسر من اللبنانيين والعرب الآخرين.
وبرغم صفقات الأسلحة الأميركية الجديدة، وقيمتها تصل إلى 15 مليار دولار،
ورغم اتفاقات الفصل بين القوات على جبهتي سيناء والجولان،
إن ذلك الإسرائيلي البالغ الشجاعة كان يعلن أن كل ما حصل ويحصل بعد حرب رمضان لم يعد إليه شعوره المفتقد بالأمان،
وكان يعلن أيضاً أن قوات جيش الدفاع، بأسلحته المختلفة، وفيها الطائرات، وشهرته المدوية كقوة لا تقهر، لا تكفي لقهر الذعر في نفسه، ولا تفيده في ضمان حياته بمقدار ما يفيده علم أبيض في وجه ثلاثة من الفدائيين اجتمع لتقالهم الجند والحرس والمجندون والمتطوعون بالرغبة أم بالأمر، لا فرق.
إن ذلك الإسرائيلي البالغ الشجاعة كان يعلن، بأصرح لغة عرفها الإنسان منذ بدء الحقيقة، إن الموت سيظل يطارده طالما أن القضية الأصلية لما تحل.
كان يعلم ذلك للبنان أولاً: لست أنت المسؤول عن أمني، فهذا الشبح الفلسطيني يسكنني، ويقتحمني من داخلي في أي لحظة.
وكان يعلن ذلك للحكام العرب جميعاً: لستم من يملك أن يؤمنني على مستقبلي،
وكان يعلن ذلك وأكثر منه لحكامه هو، وللعالم كله،
كان يرفع علماً أبيض في وجه فلسطين القضية، غير عابئ بضمانات “العزيز هنري” وتأكيداته “لحق إسرائيل في أن تضرب الفدائيين حيثما وجدوا”.
أما القضية فأقوى من السلاح، ومن هؤلاء جميعاً،
ولهذا بالذات يتعاظم الرعب الإسرائيلي.. ورعب عرب نيكسون!