كنا نطالب الحاكمين من العرب بمساعدة الحركة الوطنية في لبنان لكسب معركة “تعريبه”، فإذا بنا الآن نكاد نرجوهم أن يكفوا – مشكورين – عن تقديم “مساعداتهم” التي تفيد، أساساً، أعداء العروبة في لبنان.
وبالتأكيد فإن أقوى سلاح بيد القوى الانعزالية، الآن، هو هذا النمط من “المساعدة” العربية الذي ينهمر عليها من أكثر من عاصمة عربية متلفعاً بستار الدعوة إلى صيانة الوحدة الوطنية.. كأنما الحركة الوطنية هي التي تصدع هذه الوحدة الوطنية وتنفذ المذابح الجماعية لنسفها وخلق جو للاقتتال الأهلي في لبنان، باستثارة الغرائز الطائفية وترسبات عصور القهر الاستعماري.
فالنداءات والمناشدات “العربية” للكتائب ورئيسها، هي هي الأداة الرئيسية التي تستخدمها الكتائب في إرهاب الوطنيين المسيحيين خاصه، وهم جمهور عريض ومنتشر في مختلف بقاع لبنان، وإرهاب الوطنيين عموماً ولأي طائفة انتسبوا.
إن الكتائب تخاطب المسيحيين الآن بما مفاده: لا تصدقوا إن العرب ضدنا وسيقاطعوننا بسبب ما قمنا ونقوم به. إنهم معنا. إنهم يساندوننا ويقفون معنا بشهادة هذه الرسائل والنداءات والمناشدات التي يوجهونها إلينا، إضافة إلى موقفهم العملي طبعاً.
والكتائب تكاد تنسب إلى صفوفها، الآن، أكثر من ملك ورئيس عربي، وتنقش على صدره زرها مع شعار “الله، الوطن، العائلة”.
… وتكاد تقول إن هؤلاء هم من “العائلة” الكتائبية: المقاتلة ضد إرادة التغيير في كل مكان وأي مكان، وضد الرغبة في التقدم والتطور، وضد روح العصر ذاتها.
إن الكتائب تكتسب أكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، ملامح قوة القمع العربية لطموحات الإنسان العربي إلى مستقبل أفضل تتحقق له فيه الكرامة والكفاية والعدل في ظل التحرر الوطني والتوجه الوحدوي.
إنها لم تعد حزب الانعزالية واليمين الطائفي في لبنان فحسب، بل صارت الحزب المسلح للرجعية العربية كلها، بكل ملوكها وأمرائها وشيوخ نفطها إضافة إلى المرتدين والمتخاذلين من الحكام الأوتوقراطيين ولو ظللتهم رايات الجمهورية.
وهذا أحد أخطر أسرار استقواء الكتائب و”تصلبها” الذي بلغ حداً فاجأ حتى أكثر الناس قرباً إلى الكتائب ومعرفة بحقيقة قوتها الذاتية.
إن الكتائب تقاتل في لبنان بسيف الرجعية العربية وبأموالها قوى التقدم العربية كلها.. أو إنها تضع نفسها هذا الموضع، ومن موقعها “الصدامي” تخاطب الأنظمة العربية التي تشاركها فكرها الفاشستي والمتخلف والإقليمي والمعادي للوحدة أن تعالي نحسم معأً معركتنا ضد “اليسار المتطرف والهدام وضد الملحدين”!!
وربما بدافع المسايرة والمداراة والنفاق لبعض الأنظمة التي تريد أن تحفظ لنفسها سمعة وطنية، تقول الكتائب عن نفسها إنها “اليسار الحقيقي” وإن الحركة الوطنية في لبنان هي “اليسار المزيف”!
وبهذا المعنى فإن المعركة ضد الكتائب طويلة ومعقدة ومتشعبة، لأن هزيمتها الكاملة تعني إلحاق هزيمة مريعة بالرجعية العربية وقوى الانعزال والطائفية والإقليمية كلها،
ومن هنا يكتسب الصبر قيمة ثورية،
فالمعركة لا يمكن حسمها اليوم أو غداً.. لكن نتيجتها محسومة، بمنطق التاريخ وبمنطق طبيعة الأشياء.