ما تورط فيه أكراد العراق خطير جداً عليهم وعلى بلادهم. إنه خطأ سياسي فادح.
لقد دغدغ الأجنبي فيهم عصبيتهم العرقية فاستنفرهم واستدرجهم لكي يوظفهم في ما يتهدد مصالحهم الوطنية وعلاقتهم التاريخية بإخوانهم العرب، في العراق أساساً ثم في كل الوطن العربي الكبير.
وقديماً، كان جلال الطالباني يتندر بالقول إن الأكراد قد أعطوا العرب أكبر زعمائهم، ماضياً وحاضراً، من صلاح الدين الأيوبي إلى كمال جنبلاط، مروراً بإبراهيم هنانو ونوري السعيد وآل البرازي والكيخيا بغير أن ننسى بكر صدقي وخالد بكداش.
وبكلام سياسي: فإن مسعود البرزاني ومعه الطالباني يبدوان الآن وكأنهما يكملان “مهمة” صدام حسين في شطب العراق وإلغاء دور شعبه سواء في المنطقة أم داخل بلاده ذاتها.
وبدل أن تكون القيادة الكردية بعض القيادة الوطنية لتحرير العراق ها هي تقدم بمسلكها الملتبس مبرراً إضافياً لاستمرار الحكم الذي أدى إلى تدمير قوة العراق وقدراته العظيمة، والآن إلى تمزيق وحدته الوطنية.
كأنهما معاً دمى في يد الأجنبي يحركتها في رقصة فالس جهنمية على جثة بلاد الرافدين،
فليس استقلالاً ذلك الفصل القسري بين البلاد وشمالها والذي اختطه الأجنبي وقرر تخومه وما زال يحفظه حتى اليوم تحت مظلته الجوية،
كذلك فليست ديموقراطية تلك الانتخابات التي تجري بحراسة حراب الأجنبي بذريعة الهرب من دكتاتورية حاكم بغداد الذي يتردد في الاعتراف بالحكم الذاتي للأكراد، (والذي – للمناسبة – لا يحكم “العرب” من شعبه بأساليب أقل دموية من تلك التي مارسها مع الأكراد).
لا يرد على الخطأ بخطأ، ولا تصحح مسيرة حكم الطاغية بالمكايدة وإلحاق الأذى بالذات “نكاية” به.
فإن كان الاعتراض على صدام حسين فهذا سبب لاجتماعالعراقيين كرداً وعرباً وقوميات أخرى لانقسامهم وتشتت جمعهم وضياعهم في طلب الحماية الأجنبية، كل بدوره.
إن “المحميات” العراقية التي أنتجتها “عاصفة الصحراء” الأميركية، في جملة ما أنتجت، تكمل “محميات” الجزيرة والخليج: الأميركي هو “المحرر” لكل منها، وبوليصة تأمينها من الآخرين، بشرط أن تخرط من جلدها وأن تنكر هويتها وتاريخها وتكتفي بـ “الغرين كارد” الأميركي!
بمعنى أن الخطأ “الكردي” هو الوجه الآخر للخطأ “العربي” الذي بدأه صدام حسين وأكمله “خصومه” من حكام الجزيرة والخليج: فطالما خرج الكل على أمته، وطالما أسقط الكل عروبتهم والتزامهم بموجبات النضال القومي وأولها الإقرار بوحدة الأمة، بكل عناصرها وتحرير أرضها وتوظيف مواردها – بعد استعادتها من الأجنبي – لما يخدم طموحها إلى غد أفضل… طالما حصل ذلك كله من أقحاح العرب العاربة فهل يلام الكرد إن هم استدركوا فالتحقوا بقطار الانفصال تحت راية المحرر الأميركي إياه؟!
وبين صدام والبنادره مساحة أميركية مشتركة تكفي لتمزيق الأمة، كما لتمزيق كل قطر على حدة، وفرط الأوطان والشعوب إلى عناصرها الأولى القومية والإثنية والعرقية والدينية والطائفية الخ.
إن الحكم بالشعار القومي لم يعد نفع في تمويه طبيعة النظام والحاكم، بل هو قد شوه الشعار ذاته ونفر الأمة منه، فلا غرابة أن تذرعت القوى الأجنبية وكذا الأقليات العرقية تارة بـ “عنصرية” الشعار وتارة أخرى بطغيان الحاكم وفساده لتدمير ما تبقى من وحدة الوطن والأمة.
لكن هذا لا يمنع من القول إن القيادة الكردية تتورط في ما يؤذي “شعبها” الكردي “ووطنها” العراقي الذي لا بديل عنه، تماماً بقدر ما تتورط بعض القيادات “العربية” في العراق وخارجه وتنزلق في اتجاه الانفصالية مبررة استعانتها بالأجنبي بضرورة إسقاط النظام، بأي ثمن.
إن “الأميركي” في المعارضة بقدر ما هو في “الحكم”،
وهو من حول العراق، بقدر ما هو في العراق ذاته،
والحل الذي يعرفه الجميع ويهرب منه الجميع أن يُواجه الأجنبي ذاته وليس أدواته.
فإذا ما توفرت القيادة الوطنية (القومية) الناضجة، ورفعت الشعار الصحيح، وتصدت للمحتل، سهل إسقاط الحاكم الدكتاتور المتسبب في تهديد وحدة التراب الوطني ووحدة الشعب بعناصره جميعاً.
فالحاكم ذريعة وأداة، وقد تكون “المعارضة” المدجنة وسيلته للاستمرار بوصفه “حامي الوحدة الوطنية”
وليس من الوطنية أو حتى من الذكاء السياسي أن تقع المعارضة – عربية وكردية – في مثل هذا الفخ.
أليس كذلك كاكا مسعود؟!
أليس كذلك كاكا جلال؟!