لا يمكن تشبيه وارن كريستوفر بالسيد المسيح..
ولا يمكن بالتالي اعتبار لقائه “المفاجئ”، أو استدعائه المفاجئ للوفود المشاركة في المفاوضات العربية – الإسرائيلية وفي اليوم الأول للجولة التاسعة، بمثابة تطبيق لكلمة رسول المحبة والسلام: تعالوا إلي أيها المتعبون وأنا أريحكم.
لكن هذا اللقاء قريب من أن يكون أخذا بنظرية العلاج بالصدمة.
.. من دون أن ننسى للحظة، أن وزير الخارجية الأميركية هو أيضاً بين “المتعبين”، وإن كان يبقى الأقدر على التحمل وعلى المناورة، والوحيد الؤهل لأن يمارس الضغوط على “سائر المتعبين”.
و”الاستدعاء” فيه، في الشكل، تلبية لاحتياج عربي، وفلسطيني بالذات، كما أن فيه تغطية لأي “تراجع” إسرائيلي يبدو ضرورياً لإنقاذ المفاوضات برمتها وليس فقط الجولة التاسعة منها.
وتبدو “المساعدة” الأميركية ضرورية للأطراف جميعاً: فأي عربي، والفلسطيني بالذات، لا يستطيع القبول بأن يمد يده لأخذ “المعروض” لأن هذا المعروض – إسرائيلياً – أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يلبي الاحتياج الفعلي، وأسوأ بكثير من أن يكون ممكناً تبرير القبول بأخذه.
كذلك فإن الإسرائيلي أعجز بكثير من أن “يعطي” الحد الأدنى مما يتوجب عليه أن يعطيه ليحافظ إسحق رابين على صورته كاستثمار أميركي في دور “بطل السلام” إذا لم يتوفر له الغطاء الأميركي الصلب الذي يحصنه أمام هجمات الأعظم تطرفاً في الليكود أي بنيامين نتنياهو الذي يقدم نفسه بأن الرجل الذي بدأ من حيث انتهى إسحق شامير.
المفارقة: إن “الوسيط النزيه” و”قوة الدفع” يتقدم إلى دور “الشريك الكامل” وهو يعتزم أن يأخذ لنفسه من الطرفين، لأنه – هو الآخر – بحاجة لأن يأخذ من المفاوضات ذاتها، أقله ضمان استمرارها وعدم تفجر الطاولة بصدام فوقها أو بتأثير قوي الرفض العربية (والإسرائيلية) لمسارها ولعقمها في معالجة هذا الصراع التاريخي.
.. وهو صراع لا ينهيه الأرجاء والتسويف، ولا يموت بمرور الزمن، بل إن العجز عن حسمه بما يرضي الطرف المتضرر فيه يحوله من “مشكلة إقليمية” معقدة إلى أزمة ذات أبعاد دولية خطيرة، خصوصاً وإن السياسة فيه تتشابك مع الدين والتاريخ مع الجغرافيا والاقتصاد مع الاستراتيجيا والعقائد مع المصالح بطريقة تكاد تكون غير مسبوقة، وغير مألوفة ولا يملك “النظام العالمي الجديد” ما يقدمه كمشروع حل جذري مقبول.
في أي حال، يبدو وكأن الأميركي قرر ألا يضيع وقتاً، وأن يحاول إعطاء دفع للجولة التاسعة، التي ينظر إليها – هو كما الآخرون – وكأنها الجولة الأولى، سيما وإن الأطراف العربية الثلاثة (السورية واللبناني والأردني) لم تسمع من الإسرائيلي في الافتتاح غير تكرار مستفز للمواقف القديمة السابقة على التطمينات الأميركية “الجديدة”… وهي جديدة نسبة إلى الإدارة الجديدة وليس إلى منطقها بذاته.
وإذا كان الأميركي قادراً على إعطاء الفلسطيني في الشكل، كتساهله في الحديث مع منظمة التحرير، وهو تساهل باشره الإسرائيلي فعلاً، وتزكية دور قيادتها (فتح) على حساب الأطراف الفلسطينية الأخرى المتهمة “بالتطرف والإرهاب”، فإن هذا التساهل لا يوفر لهذه القيادة الحد الأدنى من أسباب النجاح والقدرة على استعادة المشروعية الشعبية ما لم يرفق بتثبيت حقوق الفلسطينيين في أرضهم (أو ما تبقى منها) وعليها.
فليس مهماً، في النتيجة، من يقود المفاوضات، بل المتهم نتائج هذه المفاوضات العملية ومدى تلبيتها للاحتياج الفلسطيني (ناهيك عن الحق) ولو بالحد الأدنى.
إن تزكية طرف على طرف هي تزكية لاحتمال الحرب الأهلية بين الفلسطينيين، وليست بأي حال استعادة حق فلسطيني مشروع من مغتصبيه الإسرائيلي،
والنزاع الفلسطيني – الفلسطيني قد يؤخر، مرة أخرى، مواجهة إسرائيل لما لا بد لها من أن تواجهه إذا ما أرادت تهدئة الصراع على فلسطين بتسوية مقبولة ، ولكن هذا التأخير قديسرع في الانفجار الكبير الذي سيتجاوز حدود فلسطين بكل تأكيد،
وهذا ما يدركه جيداً “الوسيط” المصري الذي يتفاقم حرجه يوماً بعد يوم وينعكس مزيداً من العجز في مواجهة الداخل المصري القابل للالتهاب، والذي قد تكون فلسطين – مرة أخرى – شرارة تفجيره كما في العام 1952، وإن كانت أسبابه المباشرة اقتصادية – اجتماعية – وسياسية “داخلية”.
ذلك إن “الداخل” في أي قطر عربي يبقى فلسطينياً حتى إشعار آخر!
يمن الغد وأبناء الأمس!
قدم شعب اليمن، يوم أمس، إنجازاً عربياً جديداً بعد إنجازه التاريخي باستعادة وحدته قبل عامين، تقريباً.
وبغض النظر عن تفاصيل العملية الانتخابية، وعما يكون قد رافقها من نواقص ومآخذ وارتكابات، فإن إجراءها بحد ذاته خطوة هائلة نحو غد عربي أفضل.
تحية لشعب اليمن، ولقياداته جميعاً التي وفرت له الفرصة ليمارس حقه المشروع في التعبير عن رأيه، وحمت للإنسان اليمني كرامته، وحفظت نفسها عندما راعت شعوره المرهف بكرامته.
تحية لليمن التي تخطو في اتجاه الغد، بينما يحاول أبناء الأمس، من حولها أن يطفئوا نور الشمس بأفواههم، ليظلوا هانئين في قلب الظلم والظلام!