لن يستطيع سهيل شماس، على كفاءته، أن يحمي الجنوب من مخاطر الاعتداءات الإسرائيلية، الواسعة أو المحدودة.
فسهيل شماس هو في النهاية دبلوماسي رفيع المستوى، لكنه ليس رأس الدولة ولا هو صاحب القرار فيها، كما أنه ليس تشي غيفارا ولا يعتمد الكفاح المسلح وسيلة للتحرير.
وهو حتى اليوم قد أثبت أنه أبلغ من حكومته، لكن الأمر لا يتصل بالبلاغة وإنما “الأرض هي التي تحكم”،
والأقوى على الأرض هو الأقوى في كل مكان، بما في ذلك واشنطن.
وفي واشنطن، وبحسب أصحاب التجربة العريضة، لا يحبون التاريخ ولا يحترمونه كثيراً، وتضجهرهم المحاضرات عما كان، وغالباً ما ينهون الخطاب الرنان لمحدثهم بكلمات موجعة في بساطتها: حسناً، هذا ما كان في الماضي، أما اليوم فالأمر مختلف، فلننطلق مما هو قائم على الأرض حقيقة.
والقائم على الأرض ليس في حصلة أصحاب الأرض، ولكنه في مصلحة الذين يضعون يدهم على الأرض، ويقيمون فوقها كيانهم المحصن بشبكة هائلة من النفوذ والعلاقات الدولية زاد من قوتها تمكنهم من اختراق المجتمع العربي المتداعي والغارق في بحر بلا ضفاف من الخيبة والإحباط والذلة التي تكاد تدفعه إلى كراهية للذات أو امتهانها.
نظرياً، يفترض أن يكون “اللبناني” صاحب الأرض المحتلة أو المهددة بالاجتياح هو الأقوى. فهو في القانون الدولي، وفي شرعة حقوق الإنسان، وفي مواثيق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن صاحب حق مطلق،
بالمقابل، فهو أعجز من أن يستطيع حماية أرضه والذود عنها،
وفي ظل الأوضاع العربية القائمة فإن عجزه يتضاعف إذ يصبح حصيلة جمع العاجزين العرب، في المشرق والمغرب.
كذلك فهو في ظل الوضع الدولي السائد والذي أباح العالم للهيمنة الأميركية المفردة، يسقط من الحساب، إذ كان يستمد بعض الحصانة نتيجة للتوازن “القديم” الذي كان يفرضه منطق انقسام العالم بين جبارين أو مجموعة من الجبابرة.
ولن تنفع البراعة اللفظية في بلورة سياسة محددة للحكومة إزاء الجنوب،
ثم إن القائلين بالمقاومة أبرع حتى في صياغة الخطاب السياسي وهم أقرب إلى وجدان الناس حتى ولو كانوا أبعد عن مصالحهم.
إذن لا بد من إعادة نظر جذرية وشاملة في سياسة الدولة إزاء موضوع الجنوب والمخاطر التي تتهدده، ليس فقط في ضوء الاعتداء الإسرائيلي المفتوح، ولكن – وأساساً – في ضوء التحول المهم الذي طرأ على القيادة الأميركية.
إن إسرائيل تقول – بمدافعها وحشودها – إن الصيغة التي كانت قائمة في عهد جورج بوش قد انتهى أوانها ولم تعد تنفع لاعتمادها في المستقبل.
وهي تقول ذلك في واشنطنن وعلى طاولة المفاوضات، كما تقوله في جنوب لبنان وفي البقاع الغربي، براً وبحراً وجواً، وبالتفجير الذي يسمعه حتى الأصم،
والصدى الفعلي للمدافع الإسرائيلية التي تدك البيوت في القرى والمزارع والمدن الجنوبية والبقاعية هو ذلك الذي يأتينا من مفاوضات واشنطن،
فلن تضيع إسرائيل فرصة مابين العهدين، بل هي ستعمل لإدخال تعديلات على سياق المفاوضات، قد يتعدى شكلها إلى مضمونها الذي كانت إدارة جورج بوش قد اعتمدته والتزمت به.
إنها تحاول فرض واقع جديد على الأرض، يعكس نفسه من بعد على مسار المفاوضات، بحيث تواجه إدارة بيل كلينتون بواقع سياسي جديد لن تقصر في اعتماده طالما إنه قائم فعلاً وله قوة تتجاوز حسن النوايا والنصوص المحبوكة جيداً.
والسياسة المطلوبة لن ترسمها التصريحات والبيانات التطيمينة التي تعلن للبنانيين، في حين يجري تعميم ما يخالفها على المعنيين في الداخل والخارج، ولاسيما في الخارج.
المطلوب صراحة في مواجهة الذات،
والمطلوب كلام في الموضوع وليس خارجه، أو على حواشيه وفي جلسات مغلقة لمجلس النواب والحكومة، لنتبين مواقع أقدامنا قبل أن تأخذنا أمواج التهديدات والابتزاز أو التهويل إلى حيث لا نريد… وبالتحديد إلى حيث يحدد عدونا الأمر الواقع الجديد الذي سيفرضه علينا في بيروت انطلاقاً من واشنطن، التي كنا نفترض إننا سننجح في أن نعدل فيها ما يحاول العدو أن يفرضه علينا في بيروت.
وفي انتظار ذلك، أعانك الله يا سهيل شماس!