طلال سلمان

على الطريق الحريريون والكواكيميون!

فجأة انتبه أهل الحكم جميعاً إلى استشراء الفساد وإلى تعاظم ظاهرة الإثراء غير المشروع الناجم، في الغالب الأعم، عن استغلال النفوذ واستنفاد موارد الدولة بالنهب المنظم!
إلى ما قبل أسبوعين أو ثلاثة كان طرح مثل هذه الموضوعات يعتبر تجريحاً وتشهيراً شخصياً ولجوءاً إلى أساليب غير مشروعة في الاعتراض على مشيئة الله، باعتبار أن المعنيين كانوا يهربون إليه، عز وجل، “هذا من فضل ربي، هو من أنعم عليّ بهذه الثروة، وهو يعطي من يشاء بغير حساب…”.
أما اليوم فالكل يريد أن يسجل اسمه بين المطالبين بالتحقيق وكشف المخبوء أو المحوّل إلى الخارج من الثروات، أو بين المتشددين في تطبيق القوانين الفاضحة لشبهة الإثراء غير المشروع ومصادره المتنوعة.
أعلى الأصوات جعجعة هي أصوات المتهمين بالذات أو المستفيدين منهم والعاملين لحسابهم، سواء بالقطعة أم مياومة أم بالشيك الأبيض المفتوح.
ضمن هذا السياق انقسم اللبنانيون إلى حزبين: الحريريين في جهة، والواكيميين في الجهة الأخرى.
لكأنما نزل الفقر الشعبي النظيف كله إلى ثراء الذهب الأسود كله،
وبرغم محاولات تمويه طبيعة “الصراع” بالمذهبية والطائفية، فإن الانحياز – في النهاية – محدد: إما إلى الرجل – الأسطورة، وإما إلى “الصولو” أو الطائر المغرد خارج سربه.
والانقسام كاريكاتوري في ظاهره لكنه حقيقي وحاد عملياً: ففي الكفة الأولى رئيس الحكومة الاستثنائي الذي لم يُمنح رجل في لبنان ما أسبغ عليه من ألقاب، أبسطها “المنقذ” وآخرها “الوعد” وبينهما “الحلم” و”الأمل” و”رجل الخير والإحسان”.
أما في الكفة الثانية فليس لنجاح واكيم إلا إطلالته الشعبية ومواقفه المتميزة بجرأتها والتي تصل في بعض الحالات إلى حد التهور.
ثم إن الحريري هو “الدول جميعاً” ، غربها وشرقها، والنفط جميعاً والمساعدات، والعرب جميعاً غنيهم قبل فقيرهم، وعنوان “المشروع المستقبلي” للبنان والمنطقة.
في حين أن نجاح واكيم الرجل المعادي للدول جميعاً، المتشكك في صدق الأنظمة جميعاً، النفطية منها وغير النفطية، والصامد في موقعه كمدافع أخير عن الفقراء والبسطاء وأبناء السبيل، والمقاتل ضد “المشروع المستقبلي” بوصفه التسمية الحرية للصلح مع العدو الإسرائيلي.
على هذا فالمقارنة بحد ذاتها تعطي أرجحية واضحة لنائب بيروت على رئيس الرؤساء، حاكم الحكومات، المطمئن المصرف المركزي إلى أنه إلى جانبه وبالتالي فلا ضير عليه ولا خوف.
هي حكاية “داود وجولياد”؟!
أم أنها إعادة غير كاريكاتورية لتلك الواقعة النادرة التي شهدها مكتب مسؤولي عربي كبير، قبل أحد عشرش عاماً، وعند التحضير لمؤتمر الحوار الوطني الأول في جنيف، إذ ذكر اسم واكيم أمام بندر بن سلطان ومعه الحريري على أنه “أكبر زعيم شعبي في بيروت”.
يومها كان الذكر في مجال التندر،
اليوم لا يستطيع الحريري أن يتعاطى مع نجاح واكيم بعيداً عن “اللقب” الذي سعى إليه شخصياً، وبكل مواهبه وإمكاناته، فل مينله، في حين يتوغل ذلك الفتى الذي دخل الانتخابات بثصورة جمال عبد الناصر واسمه وما زال يستظل مبادئه حتى اليوم، في ضمائر اللبنانيين داخل بيروت وخارجها، وكأنه “العويذة” التي تحميهم من المفسدين في الأرض وما أكثرهم.
هل: هل أنت من فقراء الواكيميين أم أنت من جماعة “هذا من فضل ربي”؟ّ!
في أي حال، “الفضل” يعرفه ذووه، أما الله فلجيمع خلق الله. ولله في خلقه شؤون!

Exit mobile version