طلال سلمان

على الطريق الحرب المفتوحة…

… وهي حرب أميركية على كل العرب، وإن كانت ساحتها العراق وذريعتها المغامرة الحمقاء لحاكم بغداد في الكويت، بكل تداعياتها الدراماتيكية التي لما تنته.
ليست حرب جورج بوش ضد صدام حسين، وإن كان كلاهما –وبالتواطؤ – يرغب في تصويرها كذلك: الأول ليدفع عنه التهمة الثابتة بأنه يقاتل ويقتل العرب لا صدام حسين، والثاني ليرضي هوسه بالسلطة وغروره الذي لا يحد بأنه إنما يواجه (ويهزم!) أقوى أباطرة الكون، بدليل أنه كان في وداع “عدوه” الحليف وهو ينزوي رئيسا ً سابقاً في كتب التاريخ.
ها هو بيل كلينتون يتراجع عن كل تعهداته الخاصة بمسائل الداخل الأميركي وأزماته الاقتصادية الخانقة، ولا يتمسك إلا “بحرب جورج بوش” ضد العرب في العراق وعبره.
إنها الحرب المفتوحة على العرب: يتبدل الحكام ولا تتوقف، تتغيرالإدارات ولا تتغير، تعاد صياغة المبررات والذرائع ولكنها تستمر.
لكأنها سياسة أميركية ثابتة.
لكأنها بين مرتكزات النظام العالمي الجديد!
ولقد تجاوزت هذه الحرب بضراوتها واستمراريتها وأبعادها الخطرة حد أن يقال فيها: إن الأميركي يتخذ من العرب حقل تجارب لأسلحته الجديدة، ويؤدب عبرهم كل معارضيه القائمين أو المحتملين، في الشرق كما في الغرب، من اليابان والصين والهند مروراً بإيران، إلى ألمانيا، وفرنسا التي تحاول أن تتمرد فلا تقدر فتتراجع وغالباً بطريقة مهينة، ولو في الشكل!
… خصوصاً وإنها تتم باسم الشرعية الدولية وتنفيذاً لقراراتها التي لم تتسم مرة بالصرامة والدقة وحسن التطبيق إلا لما صارت ضد العرب وعليهم، في حين بقيت حبراً على ورق وموضعاً للسخرية والتندر في الحالات التي صدرت تحت وطأة شكاويهم وتظلماتهم.
كأنما الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قد سُن نكاية بالعرب، وليستخدم فقط ضدهم، ولتبرير احتلال أرضهم وقهر إرادتهم وفرض الحصار على أنفاسهم.
العراق مزق وأشلاء: في جنوبه دم الضحايا، وفي شماله التمرد الانفصالي، وفي قلبه حربة الدكتاتور، وطيران التحالف الأميركي الدولي يقصف اسم الرشيد وتراثه، وفي مختلف بقاعه اليتامى والأرامل والأيامى والثكالى وصور صدام حسين!
والخبر اليقين عند إسرائيل، وليس عند غيرها.
حتى لتحسين أن الحرب، مرة أخرى، حرب إسرائيلية ضد العرب قبل أن تكون أميركية وضد صدام حسين.
وحدهم المسؤولون الإسرائيليون كانوا على علم بالغارات قبل وقوعها، وبالتأكيد فقد أبلغوا بتفاصيلها ابتداء من الاهداف على أنواع السلام المستخدم إلى أغراضنا السياسية.
وحدهم المسؤولون الإسرائيليون كانوا يعرفون أن صدام حسين لا يستطيع أن يرد على القصف الصاروخي لبغداد، أو على الغارات الجوية التي شملت مواقع الجيش العراقي في الجنوب والشمال، ودمرت بطاريات الصواريخ وبيوت الفلاحين وأسقطت أكثر من عشرين قتيلاً.
ووحدهم تبرعوا بنفي قدرة صدام حسين على إطلاق صواريخ سكود جديدة سواء أضد الكويت أم ضد السعودية، ومن باب أولى فهو لا يستطيع تهديد إسرائيل بها.
أما الجمهور الإسرائيلي فقد تصرف على “أنها الحرب”، و إن احتمالات القيادة السياسية أو العسكرية تحتمل الخطأ أو سوء التقدير، و بالتالي فقد نزل إلى الملاجئ لأنه يفترض أن أي حرب تنشب في المنطقة هي – بالضرورة – حرب إسرائيلية – عربية حتى لو كان قائدها والآمر بها والمخطط لها والمستفيد منها الأميركي (ومعه الإسرائيلي بطبيعة الحال).
حتى الغارات على بغداد الرشيد فيها أو على السماوة وسائر الجنوب أو على “الحدود” مع”دولة” الشمال الكردية، لم تعدقادرة على هز سلاطين العرب واستدراجهم إلى إعلان موقف!
إنهم يتصرفون وكأن القصف على صدام، لا يتجاوزه إلى غيره، ولا يؤذي قبله أو بعده أحداً، مع أنهم يعرفون تماماً أن صدام حسين هو وحده المستفيد من الإغارات سواء أبالطائرات كان أم بالقصف الصاروخي.
فكلما تم تدمير المزيد من قدرات العراق وإمكاناته تضخم شعوره بالنصر، وأخذه الزهو بعيداً فهلل وكبر ووعد رعاياه المساكين بمزيد من “الانتصارات” على قوى البغي وشياطين الكفر.
لكأنه تعهد بتدمير العراق كله، عاصمة ومدنا وقرى، مصانع ومؤسسات، جيشاً وشعباً بنسائه ورجاله والأطفال.
وكلما زاد حجم التدمير وتفاقمت أضراره تورم حجم البطل المظفر داخل صدام فاحتل شاشة التلفزيون ليبشر العراقيين بمزيد من الموت والدمار مع استمراره في سدة الحكم كدليل على هزيمة “المؤامرة” التي لا تريد إلا رأسه!
… وفي بيروت يصارحنا بعض ضيوفنا الأميركيين الذين تضعف أمامهم النخب السياسية المثقفة، با لحقيقة المرة: “أنتم العرب لا يؤمن جانبكم، وعلى من يكون بينكم أن يمشي وظهره إلى الحائط حتى لا يؤخذ غدراً”!
إننا نضرب بصدام حسين كل لحظة وفي كل مكان.
صار اسمنا وممثلنا الشرعي الوحيد هذا الذي اصطنعه الغير بطلاً للعرب، وفرضوه علينا ومكنوه منا بحجة أنه “حارس البوابة الشرقية”، وما قبلها وما بعدها من آبار نفط تدر عليهم الذهب الأصفر وتدر علينا الحروب وويلاتها، وبين ويلاتها سلاطين الذهب الأسود والضمير الأسود والقمع الأسود والموت الأسود.
للعرب الآن وجه صدام حسن ومواصفاته.
وبالتالي فهم أعداء الحضارة والعصر والتقدم الإنساني والسلام والديموقراطية وحقوق الإنسان!
لقد اتخذه الأميركيون والإسرائيليون مشجباً فعلقوا عليه “عواطفهم” الحارة تجاه العرب، واستفادوا من وجوده لنسبوا إليه وليحققوا عبره كل ما يريدون أن يفعلوه بالعرب حتى لا تبقى بينهم رأس مرفوعة أو صوت مسموع أو مطالبة بحق مضيع.
لكنها حرب أميركية ضد العرب جميعاً هذه التي تجري على ساحة العراق فتمزقه إرباً بذريعة أخطاء صدام حسين.
والمستفيد الأول منها هو الإسرائيلي حتى لو بدأ مبعداً عنها وغير مشارك فيها.
والعرب جميعاً، والعراقيون منهم، ضحايا الثلاثي الأميركي – الإسرائيلي – وحاكم بغداد.
لقد اجتمع الجلادون على الضحية.
والدور بعدها على سائر العرب، في مشرقهم كما في المغرب الأقصى.

Exit mobile version