آن الأوان لأن يعي لبنان، كل لبنان، إنه لا يمكن أن يعيش بالطائفية وعليها. بل إن لبنان هو البلد – النموذج في العالم أجمع لسقوط الطائفية كبديل للانصهار الوطني للمواطنين ، إلى أي أديان وأية طوائف انتموا.
لقد قالها لبنان، أكثر من مرة، صريحة، مجلجلة، مدوية: لا لبدعة التعايش الطائفي، لا للوحدة الوطنية الشكلية، القائمة على قبلات المناسبات التي تجسد – أكثر ما تجسد – ضرب مبدأ الوحدة الوطنية وإفراج صيغها السياسية المعتمدة من أي مضمون وطني، بمقدار ما هو الوطن بشر واقتصاد وثقافة واجتماع وتاريخ وجغرافيا وهوية محددة.
وقالها لبنان، أكثر من مرة: نعم للانصهار الوطني، نعم للاندماج الوطني، نعم للارتباط بالأرض والدفاع عنها، نعم للمواطنية بمعنى أن يكون الكل في نظر النظام والدستور والقانون والحكم مواطنين لا رعايا أبرشيات ومجالس ملية، وأن يكون الوطن لكل مواطنيه وليس حكراً لطبقة أو فئة أو مجموعة من تجار الغرائز والعواطف والمواد الغذائية!
والطائفية، في النهاية، مجموعة من المؤسسات والزعامات والأساليب والمناهج السياسية، وليست مجرد أشخاص أو عواطف وليست قطعاً ذلك الإيمان العميق بالله واليوم الآخر.
وهذا بالضبط ما يفترض أن يدهم وأن يزال لكي يتمكن لبنان الوطن من ممارسة وجوده، ومن حماية هذا الوجود وتأكيده وتوطيده باستمرار.
لا وطن في ظل استمرار دكاكين الطائفية، التي غالباً ما تكون هي ذاتها مكاتب السمسرة السياسية ومنافذ الارتباط المشبوه بالقوى المعادية، إمبريالية وصهيونية ورجعية.
إن لبنان القوي بشعبه ضعيف إلى أقصى حد بالطائفية، وعاجز وكسيح ومتمسكن يدور على أبواب العواصم الأجنبية ليشحذ الضمانات والتعهدات والوعود التي لا تنفع لا في إقامة الوطن، ولا حتى في حماية “الكيان”!
على ضوء هذا التحليل تكتسب المطالبة بحل حزب الكتائب بعدها الوطني: إنها خدمة للبنان الوطن وتمهيد لولادته الحقيقية.
ففي أفضل الحالات، وفي أبرأ الاجتهادات ، يمكن اعتبار الكتائب مؤسسة قامت على منطق مغلوط من أساسه، وقامت كتعبير عن عقد وترسبات هي وليدة الماضي، ماضي القهر الاستعماري، وهي ابن شرعي للتخلف والفكر الفاشيستي. وهي بهذه المعاني جميعاً عدوة المستقبل الأفضل للبنان ولمواطنيه جميعاً، وبشكل مباشر للمسيحيين من مواطنيه.
إن حل الكتائب، كحزب ومؤسسة، يضع نقطة نهاية لتاريخ مزور لهذا البلد الذي تدلل جماهيره يوماً بعد يوم على وعيها العظيم واستعداداتها النضالية غير المحدودة.
إن حل الكتائب هو العلاج السياسي لوضع سياسي مأزوم، ليس فقط بسبب مذبحة عين الرمانة، بل أساساً بسبب الأجواء النفسية التي تسمح بوقوع مثل هذه المذبحة وتهدد بتحول محاسبة المسؤولين عنها إلى مدخل للشر الأعظم: الفتنة الطائفية.
لقد مارست الكتائب بموقفها المتعنت من موضوع تسليم المسؤولين والمتسببين والمشاركين في تنفيذ مذبحة عين الرمانة، عصياناً وتمرداً علنياً ليس فقط على السلطة بل على الوطن.. رغم إنها مشاركة دائمة في السلطة، ورغم إنها متخصصة في ادعاء أبوتها للبنان ونظامه.
وأبسط رد سياسي على العصيان والتمرد أن يعامل العصاة كعصاة.. وبمنطق وطني، وليس بمنطق الثأر العشائري، أو الرد الطائفي الأبشع.