آن الأوان لأن ينفتح العقل والوجدان والقلب لأصوات المخلصين وهي تطالب بوقف هذا الذي يجري ضد الفلسطينيين في لبنان.
آن الأوان لأن ينتسصر الوعي بالمصلحة والإحساس بالتاريخ على الغرائز والأحقاد ومشاعر الانتقام، فيتم التنبه إلى التأثيرات الضارة بل والمدمرة لمثل هذه التصرفات الهوجاء على لبنان واللبنانيين في الداخل والخارج.
كفى!
… وتقال من موقع الحرص على لبنان وعلى دولته ورئيسها وجيشها وعلى كرامة شعبه، قبل الحرص على الفلسطينيين وكرامتهم كبشر وقضيتهم والأرض المقدسة.
فلا يجوز – من حيث المبدأ – أن ترتبط عودة الدولة بالظلم والاذلال والتجاوز، في حين يطلبها الناس ويتمنونها لإنهاء الظلم والتجاوزات والتعديات كافة، وعن أي جهة صدرت،
ولا يجوز – وطنياً – أن تبدو الدولة وكأنها طرف في الخصومات والعداوات التي نشأت وتفاقمت في ظل السنين الطويلة لحروب الداخل والخارج.
ولا يجوز – وطنياً – أن تلصق بالدولةن في هذا الظروف الدقيق والحساس بالنسبة لها، إنها تعامل الفلسطينيين – حيث السلطة لها – معاملة المتجبر والمنتقم (بمفعول رجعي) وقاطع الأرزاق، فالدولة هي، ويجب أن تكون، المرجع والملاذ والحامي، هي القاضي العادل وليست المدعي العام وبالأخص ليست الشرطي والهراوة والسجن، انفرادياً كان أو جماعياً، وإن كان هؤلاء جميعاص من أدواتها.
ولا يجوز – وطنياً – أن يترك مثل هذا الموضوع القابل للاشتعال قابلاً للتوظيف والاستغلال من قبل المحتل الإسرائيلي، بحيث يتمكن من طمس وتغييب جرائمه ضد اللبنانيين والفلسطينيين من خلال الاتجار بوقائع لن نستطيع – مهما أدناها – أن ننفي حقيقة إنها صادرت عنا أو عن بعضنا، فكيف إذا ما اكتسبت، للحظة، السمة الرسمية؟!
ولا يجوز – وطنياً – أن يبدو الأميركي والبريطاني والفرنسي والإيطالي، وسائر أمم الأرض ، أرأف بالفلسطينيين منا، هذا إذا ما تغاضينا عن حقيقة أن مجرد ترك هذا الأمر مفتوحاً أمامهم يشكل طعنة لقيم لبنان ومثله، ولا يرتضيها له مريد فكيف بمواطنه ذاته؟!
ولا يجوز – وطنياً – أن تتم مثل هذه الممارسات الخاطئة ضد المؤسسات الفلسطينية، لا فرق بين التي لها حصانة العرف الدبلوماسي وبين التي لها حرمة مركز البحث الأكاديمي وبين التي لها الحق بالرعاية بوصفها مصدر إنتاج وموقع عمل يوفر اللقمة النظيفة لكثير من المحتاجين والمعوزين.
ولا يجوز – إنسانياً وقانونياً وضميرياً – اعتبار كل فلسطيني متهماً ومشبوهاً ومخرباً وإرهابياً إلى أن تثبت براءته.
لقد أخذ على الفلسطينيين إنهم ضلوا الطريق، ذات يوم، وضمن ظروف معلومة فتجاوزوا السلطة واغتصبوها وجعلوا أنفسهم فوق القانون وفوق الناس،
وإذا كانت تلك مرحلة قد مضت وانقضت فلا يجوز الآن أن تتعاطى معهم الدولة وكأنهم دون الناس، ومن خارج منطق القانون قانونها هي.
ولقد أخذ على الفلسطينيين إنهم، اشتطوا ذات يوم، فدفعوا ببعض اللبنانيين إلى أحضان إسرائيل، فلا يجوز الآن أن يكرر اللبنانيون الخطأ فيدفعوا ببعض الفلسطينيين إلى أحضان هذا العدو المشترك، برغم كل ما كان ويكون.
ثم إن الفعل يستدرج رد فعل، وإذا كان الفعل السيء الصادر عن بعض الفلسطينيين قد استدرج ردود فعل لبنانية من الطبيعة ذاتها، فإن الفعل اللبناني السيء اليوم سيولد بالضرورة ردود فعل فلسطينية قد تطال العديد من مصالح لبنان واللبنانيين وسمعتهم ورصيدهم في المنطقة العربية الواسعة…
لهذا كله، ولمليون سبب آخر تتصل بقيمة لبنان ودوره ورسالته وتراثه الحضاري وانتمائه القومي وإسهامه غير المنكور في النضال من أجل فلسطين – القضية وشعبها نفترض أن تتحرك الدولة – بشخص الرئيس أمين الجميل – لوقف الممارسات الخاطئة الجارية ضد الفلسطينيين.
خصوصاً وإنهم من الكثرة بحيث لا يمكن “تهشيلهم” ورميهم في البحر،
ثم إن من تبقى منهم هم “لبنانيون” بمعنى ما، لا يعرفون بلداً غير لبنان، ولا مكان لهم خارجه، ولهم دورأساسي في الدورة الاقتصادية للبلد، كما إنهم بعض نسيجه الاجتماعي…
على الأقل، في انتظار أن تتيسر ظروف تسمح بعودتهم إلى موطنهم الأصلي الذي لا يفضله بنظرهم موطن، حتى لو كان لبنان الأخضر والحلو.
آن الأوان لأن تقول الدولة: أنا هنا، والكل أمام القانون سواء، مواطنين كانوا أم مقيمين “دائمين”،
مع التذكير بأن ثمة مسألة شائكة تنتظر حلاً لا يمكن الوصول إليه إلا بالاتفاق مع منظمة التحرير الفلسطينية، هي مسألة ما تبقى من الوجود الفلسطيني المسلح في الشمال والبقاع.
وليس باضطهاد المدني الفلسطيني الأعزل وسد أبواب الرزق أمامه يمكن إقناع الفلسطيني المسلح في البقاع والشمال بالخروج أو بالتخلي عن رشاشه والعودة إلى الانضباط والانصياع للقانون،
وليس عبر مثل هذه الممارسات يمكن، في النهاية، فتح باب الحوار الصحي بين اللبنانيين من أجل تصور موحد لغد أفضل.
والكلمة للرئيس أمين الجميل، الذي تميز بموقف يذكر له مع الفلسطينيين حين اخترق الحصار للوصول إليهم، وإعلان تضامنه المبدئي مع قضيتهم متجاوزاً كل ما كان من خصومات وأحقاد ودماء وسائر آثار الحرب.
الكلمة له، والموقف المنتظر منه الآن وهو يخمثل كل اللبنايين أن يمنع اليوم ظلماً يستطيع منعه، في حين سجل موقفه المبدئي بالأمس متحملاً نتائج مكلفة من أجل إنقاذ سمعة الفئة التي كان يمثلها من اللبنانيين.
الكلمة له وهو المطالب، الآن، بإنقاذ سمعة لبنان كله، وسمعته في الحال والاستقبال.