يناصل الياس الهراوي، وبشراسة، لانتزاع اعتراف الموارنة بخاصة والمسيحيين عموماً، به رئيساً للجمهورية، جمهورية الطائف التي انقسموا حولها وقاتلها جمهور واسع منهم وما يزال “يقاطعها” بعض نخبهم.
وهو من موقع رئاسة الجمهورية يقاتل بضراوة ليكون زعيماً مسيحياً مسلماً بشرعية تمثيله للموارنة خصوصاً والمسيحيين عموماً… بل هو يسعى لأن يكون “الزعيم المسيحي” الأول إن لم يكن زعيم المسيحيين بالمطلق.
إنه يقاتل بلا هوادة، ويذهب إلى الذين حاولوا إعلانها “حرباً مقدسة” عليه فيواجههم ويحاججهم : يحاول انتزاعهم من ذكريات الماضي الجميل إلى وقائع الحاضر القاسي بأمل استنقاذ دور لائق وكريم في المستقبل.
لا يضيع فرصة للكلام إلا ويستغلها، مرتجلاً حيث لا مجال للكتابة، وخطيباً بنص مدروس حيث تسمح المناسبة بترف الإعداد المسبق لاستغلالها في ما يفرضه مبشراً أو ناصحاً عند من لم يقبله قائداً أو حتى محاوراً.
وعلى امتداد الأيام الاستقلالية حاول الياس الهراوي تطمين “الخائفين” فاستخدم المنطق “المسيحي” التقليدي في الرد على المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية: فليست هي بالخطر الداهم، بل إن تطهير النفوس سيسبق تعدل النصوص، وهذا أمر متروك للتاريخ وليس لشركائه الآتين باسم التغيير، سواء في الحكم عبر الحكومة، أو في الدولة عبر مجلس الـ 128 المختلف كما ونوعاً عما سبقه.
ومشكلة الياس الهراوي أنه يريد أن يربح من في “الخارج” من دون أن يخسر من في “الداخل”.
وثمة من يذكره دائماً بسر الزعامات المسيحية التاريخية، وبالذات كميل شمعون: فهو من أجل الرئاسة حمل شعارات “إسلامية”، ولكنه من أجل “الزعامة” تصرف وكأنه خصم “المسلمين” الأول متحصناً بتمثال السيدة العذراء.
بل إن ثمة من يحذره من أن تأييد “المسلمين” يفقده الجدارة بالزعامة من دون أن يكسبه وقار الرئاسة وهيبتها…
وقد يتطرف بعض “الناصحين” فيشيرون عليه بأن يصرف همه في استعادة المسيحيين لأن ذلك فقط “يقويه” في وجه المسلمين “الذين كلما أخذوا سيطلبون أكثر”، خصوصاً وإن ممثليهم في الحكم الآن “أقوى” منه، ثم إن اتجاه الريح يخدمهم ولا يخدمه، حتى لو اعتبر نفسه الأقوى في دمشق ومعها وبها.
لقد مضى نصف الولاية في النضال من أجل تثبيت الرئاسة، ويفضل الآن أن يقتدي بأسلافه الكبار من أجل الوصول إلى زعامة تدوم بعد الرئاسة وتمارس تأثيرها عبر انتزاع مكانة الصوت المرجح في انتخاب الخلف.
لكن هذا يقتضي قدراً عالياً من الدقة في الحفاظ على التوازن فوق حد السيف، فليس من الحكومة تهديد موقع الرئاسة باستعجال تسنم سدة الزعامة، إذ قد تنتهي اللعبة بخسارة مزدوجة.
الياس الهراوي يبدو هذه الأيام شديد الثقة بنفسه، ربما لأنه يستصغر شأن خصومه، لاسيما الحاضرين منهم، أما “الغائبون” فهو قادر ببساطة على اتهامهم بأنهم “فروا من الجندية في زمن الحرب”، في حين أنه تحمل عبء المواجهة وحيداً، واستنقذ بعض ما كانوا قد تسببوا في خسارته ملحقين الأذى بموقع الموارنة خاصة كما بامتيازات عموم المسيحيين.
ولعل تجديد الحديث عن العودة إلى بعبدا هو تعبير صريح عن الرغبة في استكمال مقومات الرئاسة بحيث يغدو ممكناً تسلق الجبل إلى موقع الزعيم ، مع الوعي الكامل بأن الأرض ملغمة.
ولعل تصدر الحملة على شعار إلغاء الطائفية السياسية الذي يفهمه جمهور النخبة من المسيحيين وكأنه إلغاء لدورهم وموقعهم الممتاز في السلطة، هو المدخل الذي اختاره “الرئيس” ليصير “زعيماً” عشية الذكرى الرابعة لقبوله التطوع لاستنقاذ رئاسة الجمهورية باسم الموارنة ومن أجلهم.