تصريحاً أو تلميحاً، همساً أو بصوت عال، يوجه السياسيون من أقطاب ونواب بين الحين والآخر، وفي مواسم الأزمات بشكل خاص، اتهاماً خطيراً ضد رئيس الجمهورية مفاده ومؤداه إن الرئيس يتمتع بصلاحيات إمبراطورية، وإنه يمارس دكتاتورية مطلقة في حكم البلاد تتنافى ومبادئ الديمقراطية البرلمانية التي يقوم عليها نظامنا الفريد.
وبغض النظر عن النصوص الدستورية، وكذلك عن صحة هذا الاتهام أو بطلانه، تستوقف المواطن العادي في هذه الأيام بعض الحقائق الصغيرة التي عبرت عن نفسها خلال الاستشارات.
من هذه الحقائق الصغيرة إن أكثرية النواب الكرام، وفيهم أقطاب عظام، قد تركوا الحرية لرئيس الجمهورية في اختيار “من يراه مناسباً” لرئاسة الحكومة العتيدة..
وحتى الذين بلغت بهم الشجاعة حد تسمية “من يرونه هم مناسباً”، طرحوا اسمين أو ثلاثة أسماء، ثم تركوا “لفخامة الرئيس أن يفاضل بينهم ويختار الأنسب منهم”.
وبحسبة بسيطة يمكن القول إن نيفا وسبعين نائباً، من أصل التسعة والتسعين المباركين، قد تخلوا عن حقهم ليس في الاختيار، بل حتى في “المشاركة” لرئيس الجمهورية..
أما بالنسبة للرئيس المكلف فإنه في هذه المرة كما في المرات السابقة، ومثله مثل من سبقه من رؤساء الحكومات، ومع سليمان فرنجية كما مع من سبقه من رؤساء الجمهورية، قد حمل الأزمة وهمومه وعجزه عن تشكيل الحكومة ويمم شطر القصر طالباً منه العون…
هذا مع العلم إن الرئيس المكلف إنما “قبل بركوب المركب الخشن تضحية منه وصدوعاً لإرادة الشعب”، وما جاء إلا من أجل إنقاذنا من سلفه الذي لم يكن يؤمن بالمشاركة ولا هو سعى إلى تحقيقها.
ومع العلم إن المنقذ الجديد جاء لينقذنا من الذي تبرع قبله بإنقاذنا من الذي كان قبله، والذي كان قبله إنما جاء لينقذنا من الذي كان منقذنا قبله من منقذنا الأسبق الذي هب بنخوة عربية أسصيلة لينقذنا من المنقذين الادعياء الذين فشلوا في إنقاذنا..
ومع العلم إن المنقذ رقم واحد هو نفسه الذي جاء المنقذ رقم اثنين لإنقاذنا منه، وهكذا يعود المنقذ رقم واحد لإنقاذنا من المنقذ رقم اثنين الذي يتربص بالمنقذ رقم واحد أقل من عام ليعود فينقذنا منه… وهلمجرا!
وربما لأن المنقذين الأماجد مشغولون بهموم الإنقاذ عن المشاركة وضرورة ممارستها ينسونها تماماً عندما يستدعى واحدهم ليكلف بمهمة إنقاذنا من جديد، ثم عندما يحكمنا وكله قلق على أن ينتزع منه المنقذ التالي مهمة إنقاذنا مما نحن فيه..
وفي أي حال فإن السادة المنقذين، ومن خلفهم من نواب، هم بالتحديد المسؤولون عن الصلاحيات الإمبراطورية للرئيس، فهم من يكرسها قانوناً وعرفاً، وعن الدكتاتورية المطلقة التي يقولون إن الرئيس يمارسها، فهم من يجعلها شرعية وضرورية ومبررة ومحصنة بإرادة الشعب الذي انتخب لتمثيله هؤلاء المتناوبون على إنقاذه من … وحدته وإرادته وجديته وقضيته الوطنية ليتسنى بهم وبحكاياتهم الظريفة عن المشاركة والدكتاتورية والمصلحة العامة!