لا مجال للشماتة والتشفي أو التباهي بسلامة التقدير وسوء تقدير الآخرين، أو نياتهم، وتذكيرهم بما قالوه وما قيل لهم ثم قيل عنهم وفيهم.
فمصر أعز على قلوب العرب وأغلى وأكبر من أن تعامل بالشماتة والتشفي،
والذين تسببوا في محنتها الكيسنجرية الراهنة أتفه من أن يناقشوا وأصغر من أن يخصوا بنظرة لوم مفادها: أرأيتم إنكم كنتم على خطأ؟
المهم ، الآن، أن تساعد مصر على الخروج من محنتها هذه كلياً، وأن تمكن من الاستعداد الجدي لمواجهة الاحتمالات المختلفة، وكلها خطر وخطير،
إلى جهنم إسماعيل فهمي ومصطفى وعلي أمين وموسى صبري ومحسن محمد وصالح جودت وإبراهيم البعثي وبقية الشلة من المشبوهين والموتورين والانتهازيين الذين حاولوا في لحظة من اللحظات أو يوهموا مصر إن بإمكانهم – هم ومن خلفهم – أن يغنوها عن العرب، بل وعن نفسها وتاريخها وثورة يوليو وقائدها العظيم!
إلى جهنم كل الذين صوروا لمصر إن العرب هم مصدر تعاستها وشقائها وفقرها، وإن واشنطن هي وحدها مصدر سعادتها وصانعة رفاهية شعبها الصابر!
فلم يكن هؤلاء جميعاً، وأمثالهم، مصر في أي يوم، ولن يكونوا غير ما كانوه فعلاً خلال الستة عشر شهراً المنصرمة: دعاة التخاذل والهزيمة وأبواق الفرقة والتناحر وأدوات التزوير لانتماء مصر القومي وهويتها العربية، وشوهات على وجه نضالها الطويل المرير.
لذا رفض المناضلون الشرفاء والأحرار من العرب أن يتعاملوا مع مصر من خلال هؤلاء في أي يوم، واستمروا يخاطبون مصر التي يعرفون والتي يحبون والتي بذلوا ويبذلون دماءهم وأرواحهم فداء لها.
ولذا حفظ هؤلاء لمصر موقعها الطبيعي في قيادة حركة النضال العربي.
افترضوا إنها قد اغبت، أو غيبت، في ظرف طارئ، وإنها لا بد ستعود لأن لا وجود لها خارج أمتها ولا قيمة لها بغير روحها المناضلة وبغير تاريخها الثوري، أي بغير عدائيتها المكينة للاستعمار والصهيونية والرجعية.. فهذا الثالوث هو الذي فرض عليها من قبل ليل القهر الطويل، وهو الذي سعى ويسعى لأن يفرض عليها وعلى العرب كلهم الآن ليلاً أطول وأكثر سواداً تحت مظلة السلام الأميركي!
في أي حال، ليس في السياسة عتاب، أو حرد، أو ما شابه من المواقف الشخيصية.
وليس من السياسة في شيء أن يجلس هؤلاء العرب، الآن، سعداء بانتصار وجهة نظرهم وحسن تقديرهم، منتظريون أن تأتيهم مصر طالبة الصفح والغفران عن فترة التيه التي ضيعت خلالها الكثير من نتائج حرب رمضان المجيدة،
المطلوب منهم أن يبادروا هم بالعودة إلى مصر، باستعادتها.
والعودة تكون بمد اليد إلى مصر المهددة الآن، وأكثر من أي يوم مضى، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
إن “الكيسنجريين” والمتأمركين، داخل مصر وخارجها، لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا أحسوا أن مصر ستتحرك باتجاه العودة إلى موقعها الطبيعي.
إنهم سيقاتلون للبقاء، ولو كان ثمن بقائهم وبقاء “مصرهم” سقوط النظام نفسه.
وهم سيشددون أكثر فأكثر حملتهم على العرب، وسيرمونهم بكل قبيحة و”سيبيعون” لهم حتى فشل العزيز هنري: ففي نظر هؤلاء تقع مسؤولية الفشل على “المتطرفين” العرب وليس على إسرائيل أو أميركا.
ومرة أخرى: المطلوب الآن قرار عربي تاريخي، قرار بإنقاذ مصر من نتائج الفشل ومن الذين أوصلوها إلى هذا الفشل.
وليس بالتخلي أو بالشماتة أو بالتشفي يتم الإنقاذ، بل بتقديم كل ما تحتاج إليه مصر لتعوض نفسها وتعوضنا ما خسرناه جميعاً خلال فترة التيه الطويلة والقاسية!