كلما قصد السفير الأميركي في بيروت “الملجأ الجمهوري” في بعبدا للقاء العماد ميشال عون، هدأ روع الناس نسبياً، لأنهم يرون في المستر جون ماكارثي “المروض الخاص” لـ “الضابط الصغير”، يلاغيه ويكاغيه ويداعبه ويمنيه بقطعة السكر، فإذا ما ظل “ثائراً” فرقع بالكرباج مراراً، من حوله، حتى يستكين ويبلع بعض لسانه وينفذ “الأمر” وإن استمر “يبرطم” محتجاً ومهدداً بتكسير الدنيا!
… وغالباً ما تأخذ “البرطمة” صيغة النيل من رجالات العهود السابقة والتعريض بالسياسيين الحاليين، والنواب منهم بشكل خاص، “المرتهنين للإرادات الأجنبية” و”الذين يستمدون مواقفهم أو يبنونها على نصائح السفراء ويصدعون بتعليماتهم”!!
والواضح إن “العماد” يستجيب أكثر فأكثر لكرباج المروض، بما يرشحه لأن يدخل “السيرك” بامتياز.
فوقف إطلاق النار الذي يلتزم به وإلى حد كبير، “الطوبجي” ميشال عون منذ عشرة أيام، بلا مبرر ظاهر، هو إنجاز شخصي للمروض الناجح جون ماكارثي الذي اضطرته رعونة “العماد” إلى ترك السوط يلسعه مباشرة، وفي مواضع حساسة، بينما كانت واشنطن تعيد بث أسطوانة النصح بضبط النفس والامتناع عن التصعيد تحت طائلة المسؤولية.
وفيما يشاع، فإن السفير المروض قد وجه تهديداً مكشوفاً إلى “العماد” بإعلانه مسؤولاً عن التفجير وتدمير بيروت إن هو لم يلتزم بوقف النار، في انتظار نتائج المعالجة السياسية للوضع في لبنان في إطار مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، واستناداً إلى تقرير اللجنة السداسية المعقودة اللواء للشيخ صباح الأحمد.
وفيما يشاع، أيضاً، فإن السفير – المروض قد اسمع “العماد” ما لا يرضيه، في لقاء أمس الأول، الثلاثاء، حتى لجم تصعيده العسكري المقرر ضد الاجتماع العربي في تونس وللتأثير على مقرراته المحتملة.
وكان ملفتاً أن يعيد السفير ماكارثي ، وعلى باب ملجأ عون الأخير، إعلان الموقف الأميركي “المرفوض” من طرف “العماد”، والذي يشدد على “الاصلاح السياسي والانتخابات الرئاسية ودعم المساعي العربية، عبر لجنة الاتصال والمساعي الحميدة، لبلورة مشروع حل للمسألة اللبنانية”.
ترى هل أنهى الأميركيون فترة الغضب والانسحاب من الشأن اللبناني تاركين المسيحيين نهباً للفوضى، كما هددهم ريتشارد مورفي قبل ستة أشهر؟!
هل طرأ أو توفر لدى واشنطن يقين بأن “المعنيين” قد عادوا إلى بيت الطاعة تائبين وإن تجربة “الضابط الصغير” بكل العذابات والجراح والمراراة التي استولدتها أو فاقمتها، كانت كافية لإقناعهم بما رفضوه في أيلول الماضي؟!
بصيغة أخرى: هل قررت واشنطن إحياء الاتفاق الأميركي – السوري، واعتماده – مرة أخرى – إطاراً لمعالجة المسألة اللبنانية؟!
وهل يكون مجلس الجامعة، على مستوى وزراء الخارجية، وبالدعم الدولي المطلق والمبالغ فيه، هو “المطهر” ومن ثم “المعبر” الجديد في اتجاه المشروع الأولي والتمهيدي للحل القديم؟!
هل أرادت واشنطن أن تؤكد “الطبيعة الدولية” لذلك الاتفاق بين الغرب (وإسرائيل ضمناً) ممثلاً بالولايات المتحدة الأميركية والعرب ممثلين جزئياً أو كلياً بالجمهورية العربية السورية ومن يساندها؟!
لقد ردع الأميركيون حلفاءهم الفرنسيين و”أقنعوهم” بالتي هي أحسن، بأن يتخلوا عن محاولة الخروج الجدي على الاتفاق الأميركي – السوري بالتدويل، وأعادوهم صاغرين إلى موقع الداعم والمساند للجنة السداسية العربية،
كذلك فقد نصح “الأميركيون” حلفاءهم العرب المخاصمين لسوريا والمعترضين على دورها في لبنان بألا يذهبوا إلى حد “الحرب”، بل لعلهم قد أخرجوا من الميدان أطرافاً مؤثرة كمصر حسني مبارك، ولجموا اندفاعة ياسر عرفات الذي يعرض نفسه الآن كقوة فصل بين اللبنانيين،
أما النظام العراقي، الذي لا يستطيع أن يوقف “الحرب” تماماً لأسباب تخصه، فقد ألزموه بأن يكتفي بالمعارضة السياسية وفي إطار الجامعة العربية وليس عبر الهاب الجبهات اللبنانية بنار حقده على الوجود السوري في بيروت كما في دمشق ذاتها!
أهي، حقاًن عودة إلى أجواء الاتفاق الأميركي – السوري؟!
وهل تكون العودة إلى النص أم إلى الروح؟!
وهل يكون الدخول العربي الواسع سبباً للتعديل وفي أي اتجاه…
بمعنى آخر هل يعطى “العرب الآخرون” قدراً من المشاركة على حساب حصة سوريا في الاتفاق؟!
ثم هل تفرض التأثيرات الدولية المتعددة المصادر قدراً من مشاركة حلفاء واشنطن الغربيين على حساب الحصة الأميركية في الاتفاق؟!
وهل تكون هذه المشاركة أو تلك بهدف توفير “المخر” المنقذ لماء وجه الطائفة العظمى؟!
أم تراها تكون منفذاً لـ “الضابط الصغير” إلى الاتفاق ، بحيث يكون قد أقتحمه وفرض نفسه عليه من موقع الرافض والمعترض بقوة السلاح؟!
واستطراداً : هل سيخصم من حصة سوريا (وحلفائها) ثمن “ميشال عون” فيتم التخلص منه بوصفه عنواناً عسكرياً لمراجع التعطيل السياسي؟!
أم ترى تبادر الطائفة العظمى إلى مقايضة “الضابط الصغير” بالاصلاح السياسي المنشود، فتخرج غالبة مضحية بمغلوب واحد؟!
أم يتفنن دهاقنة السياسة العربية المجتمعون في تونس والمزودون بالنصائح الأميركية والدعم الدولي ممثلاً برعاية الأمين العام للأمم المتحدة في استنباط حل مبتدع أو مبتكر جديد لا يكون فيه غالب ولا مغلوب،
بمعنى توسيع الاتفاق الأميركي – السوري ليحتوي الأمر الواقع الجديد بعد تهذيبه وتشذيب أطرافه المدببة، بما يسمح بالانتقال الهادئ لمرحلة ما بعد ميشال عون،
والانتقال الهادئ، كما علمتنا التجارب، يكون بتبني الشعارات والمطالب وإلغاء الشخصي السيء السلوك والسمعة، وهكذا يرضى القتيل ويرضى القاتل ومعهم العدالة الأميركية أرض لبنان الجميل؟!
أسئلة، أسئلة، أسئلة، في انتظار الأجوبة من تونس،
وتونس نقطة وسط بين واشنطن ودمشق،
والأسئلة قد تكون مصدراً للقلق وقد تكون سبباً للتهدئة، لكن الأجوبة هي التي ستتحدد ما إذا كنا سنعيش حرباً جديدة من حروب لبنان التي لا تنتهي، أم سندخل بجراحنا إلى “هدنة طويلة” نسبياً تفرضها الحاجة على مراجعة حساب الأرباح والخسائر،
والطموح أن يستطيع اللبنانيون تحديد خسائرهم، فإن نجحوا ربحوا الدنيا والآخرة بفضل البركة الأميركية المترجمة على العربية على يد دهاقنة يقودهم فصيح الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح.