لا يمكن إلا لمعتوه أو موتور أن يقف ضد الانتخابات بالمطلق،
ولكن من حق كل مواطن أن يطالب بأقصى الضمانات لكي تكون الانتخابات فرصة للتعبير عن الرأي بحرية، وللتغيير بالوسائل الديموقراطية.
ليست الانتخابات بموعدها، فلكم شهد لبنان “السيد” المستقل، الحر، ذو العنفوان والكرامة الخ” فضائح مدوية في تزوير إرادة مواطنيه على يد حاكميه، ابتداء من العهد الاستقلالي الأول (انتخابات 1947) إلى العهد الاستقلالي الثاني (انتخابات 1957) إلى انتخابات العهود الأخرى التي تكفلت “بنزاهتها” الأجهزة الأمنية المختلفة (المكتب الثاني، الأمن العام، الدرك) الخ.
هذا قبل الحديث عن التقليد اللبناني المتبع حيث يفصّل كل رئيس أو كل “عهد” الدوائر الانتخابية على مواجه وعلى مقاس “حلفائه” أو أتباعه بما يضمن إسقاط “خصومه”،
… وقبل الحديث عن التزوير عبر فرض التحالفات و”لوائح الجبابرة” باستخدام هيبة الدولة وسلطتها (أيام كان للبنان دولة ما وحكم قادر)…
وليست الانتخابات حتى بنتائجها… فلقد تعود اللبنانيون أن يكون نوابهم مثل دواليب الهواء، أو مثل دوار الشمس يستديرون إلى “مصدر النور” ويدورون وفق حركة الريح. ينقلبون من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى يمين اليمين.
والمجلس الحالي (بأعضائه “المنتخبين” منذ عقدين!!) شاهد حي على “نزاهة” العملية الانتخابية، ثم على صمود النواب على “مواقفهم المبدئية”،
في ما عدا قلة قليلة تعد على أصابع اليد بدلت الأكثرية الساحقة من النواب المواقف والخطاب السياسي والولاءات حسب التقلبات والتحولات التي أصابت مواقع النفوذ والاستقطاب.
من اتفاق القاهرة إلى اتفاق 17 أيار فإلى معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون،
من القاهرة إلى بغداد، ومن “الفاكهاني” إلى دمشق عبر الرياض، بل من “الفاكهاني” إلى تل أبيب مباشرة أو عبر واشنطن،
الأمثلة أكثر من أن تحصى، والأمور بخواتيمها. ما علينا.
المهم أن يتم التوافق على الانتخابات، ثم يتسع الحوار حول شروط السلامة وضمانات القدر الممكن من النزاهة فيها والحرية النسبية المتاحة لممارسة “الحق الطبيعي”.
وحسناً فعل البطريرك الماروني حين تغلب على المرارة والمشاعر الشخصية وسحب موقفه المبدئي من سوق الاستهلاك السياسي، ولجم تلك القوى التي كانت تحاول أن تتخذ من بكركي رأس حربة لتقاتل بها من أجل مشروع سياسي مشبوه لا تقره بكركي ولا يقبل بها “أمير الكنيسة” الذي “أعطي مجد لبنان”.
فاللبنانيون بحاجة إلى مثل الموقف المبدئي الذي اتخذه البطريرك صفير لتحسين شروط الانتخابات وتحصينها ومنع الاستغلال الطائفي لوقوعاتها ونتائجها.
لكنهم يحتاجون أكثر إلى معالجة وطنية لموضوع الانتخابات كما لعودة المهجرين وتنظيف ما أمكن تنظيفه من الجهات والمناطق من السلاح ومن الذين طالما مارسوا قهر الناس بقوة السلاح ثم انطلقوا اليوم يتشدقون بالديموقراطية ويرفضون الانتخابات متذرعين بالمواعيد أو ببعض الشكليات الإجرائية لكي يغطوا خوفهم من مواجهة الجمهور!
صحيح إن هذا كله كان يجب أن يتم من قبل، وفي مناخ طبيعي وهادئ، لكن التصحيح المتأخر أفضل من المضي في الخطأ حتى النهاية.
والتصحيح كان ما زال مطلوباً من طرفي المعادلة.
… وهذا أبسط شروط الحوار الديموقراطي، ومن ثم الاختيار السوي لنواب المستقبل، بل ولصيغة لبنان المستقبل أساساً.