طلال سلمان

على الطريق الأمة تحت وصاية نفطها الدولي

اكتملت باليمن حلقه الوصاية الدولية على العرب من المحيط إلى الخليج.
وإذا كان ملفتاً أن تستأخر”حرب الأخوة” بل “الحرب على الذات” إلى ما بعد الاطمئنان إلى اكتشاف النفط بكميات تجارية في “الشطرين”، فإن هذا التأخير أو الاستئخار إنما يؤكد القصد والهدف: أي وضع اليد الأميركية على النفط العربي حيثما وجد، ودائماً باسم الشرعية الدولية وتحقيقاً لقراراتها بمنع العرب من إحراق أنفسهم بنفطهم، على طريقة الأطفال حين يعبثون بأعواد الكبريت!
المهم أن بين اليمني واليمني وابتداء من اليوم “مجلس أمن” يقرر لكل “شطر” من ذلك الإنسان الواحد والبائس ما يفيده وما يضره وما هو محظور عليه، وأول المحظورات أن يتوحد في إنسان سوي قادر على تعويض تعاسته التاريخية باستثمار الموارد الطبيعية في أرضه الطبيعية!
أما في الجزيرة والخليج، حيث “السيادة” لمملكة الذهب الأسود والصمت الأبيض، فالكل تحت الحماية المباشرة لبعض صغار الضباط من القوات المسلحة الأميركية: لا يعقد سلطان مناقصة إلا بإذنهم ولايشتري آخر دراجة غلا بموافقتهم، بل أن أولئك الضباط هم الذين يقررون “الحاجة” والمصدر والثمن والعمولة… كذلك فلهم وحدهم حق الأمرة على السلاطين “يشيرون” عليهم متى وبأي مقدار يسمحون لرعاياهم بالتقدم نحو “الديموقراطية”، التي لا يمكن بلوغها إلا بعكازين أميركيين يستحسن أن يكون أحدهما على الأقل “وهابياً” والثاني “سلفياً” غائراً “فكره” في زمان ما قبل الزمان بحيث يرى في “الوهابية” فكراً ملحداً وهداماً!!
ومع أن الكل هناك ملتزم بمنطق “اقتصاديات السوق”، حتى من قبل إعلان الحماية رسمياً، فلم يُشرط عليهم أن يلتزموا بالوجه الآخر لتلك العملة الرديئة أي : حقوق الإنسان والتعددية السياسية.
وإذا كانت الكويت “أكثر من محمية وأقل من حي زنجي” في النظرة الأميركية، لذلك لا يعفيها من أن تحيط نفسها بخندق أسطوري يمتد بامتداد “حدودها” مع العراق، أي بعض الصحراء، على أن يُزوّد ذلك الخندق بأحدث وسائل الرفاه والتكنولوجيا الحديثة كالتبريد والمياه الباردة وملاعب الركبي والبيسبول، بما يضمن أن يكون مدفناً أو مقبرة ذهبية لما تبقى من فوائض العائدات النفطية ومن رصيد “صندوق الأجيال” الذي كان يدخر فيه “الشيوخ” الحكماء القرش الأبيض لليوم الأسود!
أما العراق فقد صدر عليه الحكم الدولي المبرم، ولا مجال للمراجعة أو الاستئناف: إبقاء الطاغية سليماً معافى وإعدام الشعب، بعربه وكرده، تركمانه وأشورييه، بكلدانه والباليين، بمسلميه ومسيحييه والصابئة واليزيديين وبقايا المجوس من عبدة النار!
والأخطر: تجويع العراقيين حتى الموت: بينما يهدر المخزون النفطي الهائل تحت أقدامهم، في أرضهم، وتنتصب المصافي شاهقة أمام أعينهم، وتمتد الأنابيب آلاف الكيلومترات ونحو البحور والخلجان جميعاً، فارغة كخزينة دولتهم وكمحافظهم الشخصية وبراداتهم المنزلية.
وإذا ما افترضنا أن مصير المثلث المشرقي، الأردن وسوريا ولبنان، معلق في انتظار أن يقرر الحليف الاستراتيجي “المحلي”، إسرائيل، ما يناسب المصالح الأميركية في هذه المنطقة، فإن ا لخيار المعروض على أطراف المثلث محدد تماماً: أما مصر كامب ديفيد بالقوات الدولية ذات الإمرة الأميركيةن وأما غزة – أريحا بالشرطة المحلية ذات الإمرة الإسرائيلية.
للأقطار غير النفطية أن تموت موتاً بطيئاً، وأن تزحف على بطنها طالبة (اليوم أو غداً) بعض الصدقات من فائض الأغذية الأميركية: من السودان إلى تونس فإلى المغرب ومعها موريتانيا،
أو يمكنها أن تموت عبر حفلات إبادة جماعية كما الصومال،
لكن على ليبيا، ومن بعدها الجزائر، أن يدفعا ثمن الادعاءات الثورية، وبمفعول رجعي،
وهكذا تفرض العقوبات على شعب ليبيا الذي بالكاد عرف الدنيا والسياسة وطعم الحياة، ويضرب من حولها طوق حصار ناري لا تخرقه طائرة واحدة، ولو كانت في مهمة إسعاف أو إطفاء حريق في الآبار النفطية.
كيف يقول بالثورة والوحدة وتحرير فلسطين والجهاد ضد إسرائيل من وهبه القدر ثروة خراقية لا تمكنه مؤهلاته الشخصية من إدارتها؟!
لا بد من إدانة الشعب الليبي جميعه ومكافحته وكأنه آفة أو مرض معد، ولابد أن يعلن التوبة وأن يتنازل عن ثروته وأن يقتل بيده كل ما يشير إلى الثورة من بعيد أو قريب، اليوم أو غداً أو بعد غد. بل لعلهم يفرضون عليه أيضاً أن ينبش قبرشهيده وبطله عمر المختار، الذي أعدمه الاستعمار الإيطالي شنقاً، فيعيد محاكمته وإدانته وإعدامه (مجدداً) بتهمة التحريض المسبق ضد النظام العالمي الجديد، وضد الاحتكار الأميركي للنفط العربي.
أما الجزائر فلتغرق تدريجياً في حرب أهلية مفتوحة تستنزف الدولة وتهلك الشعب بحيث يبقى النفط والغاز للمولى الأميركي الذي “سيهب” وحده لإنقاذ بلد المليون شهيد من الغرق في بحر المليارات من الدولارات ديوناً مستحقة تأكل فوائدها الأرض وما ومن عليها.
كل العرق قاصرون، كل العرب تحت الوصاية الدولية.
وبموجب قرارات الشرعية فلكل “عربي” وصي جبري (أميركي في الغالب الأعم وأوروبي استثناء) يقرر عنه ويقرر له.
أما النفط فلمن اكتشفه، ولمن استخرجه، ولمن مد أنابيبهوبنى مصافيه وشحنه إلى حيث “المجتمع المتقدم” الذي يستحق أن يستمتع بعائداته قدر ما مؤهل للإفادة منه كطاقة ذات تأثير حاسم على مصير الكون والحضارة الإنسانية.
وبعد تأمين مستقبل إسرائيل والنفط لا يتبقى ما يشغل البال غير هذا التكاثر الخارق في المجتمعات العربية المتخلفة والذي لا حل له غير أن يبيد بعض العرب بعضهم لاآخر.
من هنا فإن خريطة الوطن العربي الكبير أشبه ببحيرة من الدم المراق عبثاً، وكله دم عربي أصيل.
فقط في القتل لا وصاية على العرب ولا حماية، وهم أحرار إلى حد الفوضى المطلقة!
فبقدر ما يهدر العرب من دمائهم الرخيصة يكون للغرب الأميركي (وضمنه إسرائيل) من نفطهم الغالي.
… والحمد لله أن لبنان ليس قطراً نفطياً وإلا استمرت الحرب فيه حتى آخر قطرة من دماء أبنئه الأشاوس!

Exit mobile version