… وبما أن التحالف يضم “القوبين الأعظم” من بين أصحاب الحق الشرعي برئاسة الوزارة، يسندهما ويدعمهما أحد أصحاب الحق “التاريخي” برئاسة الجمهورية،
وبما أن البلاد تريد حكومة “لا إسلامية ولا مسيحية”،
وبما أن الحكم صعب ويحتاج إلى “فدائي” ليقبل القيام بأعبائه الثقيلة،
وبما أن العميد قد اقترح وصائب بيك قد ألح، ورشيد أفندي قد قبل أن يكون فداء الرئاسة، فما على البلاد من أدناها إلى أقصاها غير الترحيب والتهليل استبشاراً بانتهاء أزمتها الطاحنة، وما على العباد إلا أن يسمعوا أو يطيعوا أولي الأمر فيهم، وللبيان حرر…
هكذا الدنيا أخذ وعطاء، جميل ورد جميل، دين ووفاء: مرة يرشح رشيد صائباً، ومرة يرشح صائب رشيداً.. والدنيا أرض فضاء بين القطبين!
أما “المطالب” فحكاية قديمة و”رأينا فيها معروف”، يقول الأفندي!
قديمة؟.. إذا كان هذا صحيحاً فبعض الفضل في قدمها يعود لرشيد كرامي، وبعضه الآخر لصائب سلام، وبعض أخير لزملائتهما من أعضاء نادي الرئاسة الذين تخصصوا في “تعتيق” المطالب، لتصير – كما الخمر – ألذ واشهى مذاقاً!
يبقى أن رأيه معروف… وهذه قضية فيها نظر!
فلم يعرف عن الأفندي إنه تورط يوماً في تعريف الناس بأي من مواقفه بشكل محدد وواضح، وكل ما عرفوه عنه إنه لا يعرف من الكلمات إلا تلك التي تحجب المعرفة عن غير العارفين وعن الطامحين إلى المعرفة وتضيع معرفة العارفين!
لم يعرف للأفندي ، مثلاً، رأي في موضوع قانون الجيش، وهو أحد المعروفين بصداقتهم الحميمة للجيش مؤسسة وضباطاً وقيادات.
ولم يعرف له رأي في موضوع التجنيس.. وهو يعرف أبناء وادي خالد معرفة شخصية، فرداً فرداً وبالاسم، ويعرف إنهم بلا هويات،
ولم يعرف له رأي في الاحتكار وفي جشع التجار وفي جنون الأسعار وصداقته للشيخ بطرس الخوري وزملائه الميامين معروفة للقاصي والداني.. ولاسيما القاصي!
لقد عرفنا رشيد كرامي سياسياً بارعاً، محنكاً، واسع الحيلة ذكياً بما يكفي لجمع النار والماء في سلة واحدة،
لكنه اليوم يبدو وكأنما قد تخلى – بالنكاية – عن ذكائه، أو تخلى عنه ذكاؤه..
فرشيد كرامي في مواجهة المطالب غير رشيد كرامي المنادي بالمطالب،
ورشيد كرامي كان زعيماً يوم كان سنده قربه من الحركة الشعبية، وبالتحديد الشارع الوطني في طرابلس: قلعة العروبة وموئل الفقراء والكادحين والبائسين من أبناء لبنان،
أما وسنده صائب سلام وريمون اده، وفي مواجهته المطالب الوطنية، فإن الوضع يختلف جداً.
ولا نظن أن سلام يغني كرامي عن طرابلس،
وإن العميد يغنيه عن الحركة الشعبية،
وإن الشيخ بطرس الخوري هو الضمانة المقبولة من جماهير الفقراء والبؤساء والكادحين الذين يشكلون قلب طرابلس والشمال ولبنان كله…