طلال سلمان

على الطريق العدو السابق والأعداء الجدد!

الملوك ليسوا مطالبين بتفسير تصرفاتهم،
إنهم أدرى من الرعية بمصالح لاأمة، ولذا فهم يقرّرون ويبلغون فيكون على الناس السمع والطاعة.
… وكما الأمر مع “صاحب شرق الأردن” الملك حسين كذلك هو مع “صاحب المغرب” الملك الحسن الثاني: بعد عشرين سنة جاء التوضيح لما كان على امتداد العقدين، فإذا العلاقة مع أبناء العمومة الإسرائيليين “عائلية” و”حميمة” ومستمرة لم تتوقف يوماً ولا “تكدر” صفوها بسبب غزو لبنان، مثلاً، أو التدمير المنهجي المستمر لبعض مناطقه، أو بسبب حملات القتل اليوم لأطفال الانتفاضة ورجالها والنساء في فلسطين المحتلة.
وكما أن “صاحب الأردن” اندفع فأعطى بسخاء أبناء العمومة الإسرائيليين حتى يعتمدوه هو بدلاً من “صاحب أريحا” ، فمكنهم بذلك من أن يأخذوا منه، أكثر ومن عرفات أكثر، ودائماً على حساب فلسطين، شعباً وارضاً وقضية قومية.
… كذلك فإن “صاحب المغرب” حرص على أن يكون السبّاق والمبادر والشهم ذا النخوة فقرّر فتح مكتبي اتصال مغربيين في تل أبيب (وغزة!) والسماح لإسرائيل بأن تفتح بالمقابل “سفارة” فعلية في الرباط ولو تحت اسم “مكتب الاتصال”.
هذا في الوقت الذي يفتعل فيه “صاحب المغرب” جواً حربياً مع جارته الشقيقة الجزائر، ويفرض “عقوبات” إضافية على شقيقين آخرين هما – نظرياً – بين شركائه في “الاتحاد المغاربي”، أي ليبيا وموريتانيا.
إنه المثال نفسه يتكرّر مع عرفات والحسين والحسن: إعطاء العدو ما لا يعطى للأخ الشقيق أو للصديق، إن على المستوى الاقتصادي أو على مستوى التنسيق السياسي أو على صعيد المشروعات المشتركة التي تجمع بين “العبقرية اليهودية والمال العربي”،
التطبيع الشامل مع “العدو” السابق، وافتعال عداوات مع الأشقاء “السابقين”،
الصلح الأبيض مع عدو الأمس ونبش أسباب لتجديد الحروب النائمة مع الجزائر المهيضة الجناح الآن والمثقلة بمشكلاتها الداخلية، والمشاركة في معاقبة الليبيين لأسباب تخص الأميركيين والإسرائيليين، واستبعاد موريتانيا وإهانتها بإنكار حقها “الجغرافي” في أن تكون بعض أفريقيا العربية.
إن الملكين يتسابقان على طريق “التوحد” أو “التكامل” أو “الذوبان” في الاستراتيجية الإسرائيلية.
وما المؤتمر الاقتصادي الذي يدعو إليه “صاحب المغرب” غير تلبية فورية لمطلب إسرائيلي كانت حكومة رابين تطمح إلى تحقيقه منذ زمن بعيد، إذ أنه لا ينقل علاقاتها “السرية” أو “الهامشية” أو “الخجولة” مع بعض الدول العربية والإسلامية فقط إلى العلن، بل يجعلها الشريك الأقوى لهذه الدول جميعاً،
ومن حق اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين، على وجه التحديد، أن يروا في ذلك انحيازاً لإسرائيل يحمي احتلالها المستمر للأرض العربية، بقدرما يشكل أضعافاً جدياً لموقعهم التفاوضي الضعيف أصلاً لأسباب كثيرة أخطرها التخلي العربي.
إنه عالم جديد حقاً: المغربي يستعين بالإسرائيلي على اللبناني والسوري، والجزائري يستعين على الجزائري الآخر بالأميركي أو بالفرنسي أو بالاثنين معاً وربما كان معهما الإسرائيلي أيضاً، وعرفات يستعين على شعبه الفلسطيني بالإسرائيليين، و”صاحب الأردن” يستعين بهم على عرفات، فتصبح إسرائيل هي المرجعية الشرعية لمعظم العرب.
في أي حال الحمد لله أنه قد انكشف المستور، فلم يعد واحد من هؤلاء يعطي لنفسه حقوقاً على شعبه باسم فلسطين أو باسم القدس أو باسم مقاومة الاجتياح الإسرائيلي أو التطبيع أو الغزو الثقافي.
فالوضوح ليس من شيمة الملوك،
لكن إسرائيل فضاحة، والعلاقة معها ذات رائحة،
فليكن كل شيء بوضوح الشمس،
ذلك أفضل من أجل الغد… ولو بعد قرن!

Exit mobile version