غداً، في القاهرة، سيعيش لبنان الرسمي واحداً من أعز أيامه،
وليس الأمر متصلاً بالمقررات العتيدة لمجلس الدفاع، فذلك ليس بين الهموم الرئيسية للبنان الرسمي، ولكنه متصل بطبيعة العلاقات اللبنانية – العربية، إذا صحت التسمية، وبموقع لبنان على الخريطة السياسية العربية الراهنة.
ومثل هذه الحقيقة ما كانت لتفوت سياسياً محنكاً كالرئيس تقي الدين الصلح يحمل للنظام اللبناني، بحكم التراث العائلي والموقف الشخصي، مشاعر هي مزيج من الأبوة وخيبة الأمل بالابن الهجين!. ومن هنا كان إلحاحه على أن توكل إليه وزارة الخارجية، بالنيابة، ليتمكن بالتالي من أن يذهب فيقطف بنفسه أمجاد اليوم الأغر!
ذلك إنه، وللمرة الأولى منذ عشرين سنة على الأقل، سيجد لبنان إنه بات “الأكثرية المطلقة” في جامعة الدول العربية، وليس بأي حال “أقلية” مسكينة ومتهمة تطلب الرأفة بأوضاعها الخاصة وعدم إحراجها، والتجاوز عن قصورها الناجم عن تكريبتها الداخلية المتميزة بتعدد الطوائف والمذاهب، إلى آخر المعزوفة اللبنانية الشهيرة!
للمرة الأولى سيجد لبنان “مصر لبنانية” بنسبة ما، هي بالضبط نسبة الفاصل بين الاشتراكية والانفتاح،
وللمرة الأولى سيجد لبنان “سوريا لبنانيةط بنسبة ما مصدرها الانفتاح أيضاً،
وجزائر لبنانية،
أما “اللبنانات الأخرى” التي كانت تداري فتحجب لبنانيتها بمزايدات عربية طنانة كالكويت ودولة الإمارات والمغرب وغيرها، فإنها الآن تشارك لبنان الأصلي سعادته الغامرة: ها قد صرنا سواسية كأسنان المشط، وما حدش أحسن من حد، وقد عادت العرب عرباً واحدة، ولله الحمد، ولم يعد ثمة عربي رجعي وعربي تقدمي إلى ما هنالك من بدع الشقاق المستوردة!
وفي مثل هذا الجو يستعيد تقي الدين الصلح شبابه، وأمجاد الصلحي الآخر الذي قضى عمره في محاولة لبننة كل العرب: رياض الصلح.
لبنان هو الأكثرية،
من حق لبنان الرسمي، لبنان النظام، أن نتوجه إليه بالتهنئة: مبروك. لقد خسرنا جميعاً وفزت أنت!
وفاز بالتحديد تقي الدين الصلح: رجل المرحلة ورمزها.
وهو ذاتب غداً ليسطع في سماء جامعة الدول العربية، بالقاهرة، بعد غياب طويل.
ولسوف يقول كلاماً يطرب له سامعوه عن الحرب: فهو يريد كل أسلحة حرب رمضان عدا الأسلحة، وعدا للحرب ذاتها. يريد حظراً للنفط، إذا أمكن، فإن تعذر فالتهديد بحظره، ويريد ضغطاً فعالاً على واشنطن، فإن تعذر فلا أقل من استنفار “العزيز هنري” ومناشدته باسم الصداقة العربية أن يضغط على تل أبيب لكي تكف شرها عن لبنان، ويريد مالاً… كثيراً من المال، وهو في هذا الطلب لا يقبل عذراً ولا من يعتذرون.
ببساطة: لبنان يريد حصته من محصلة حرب رمضان، ليس لأنه شارك فيها، فلو شارك لما كان ثمة حاجة لطلب، وإنما هو يستقوي على المحاربين باتفاقات فصل القوات، وبالنتائج السياسية والاقتصادية للحرب التي قربت مصر وسوريا من صورة لبنان ومثاله.
لبنان الأكثرية يريد حقوقه المشروعة كرائد للانفتاح والصداقة مع الغرب، الغرب الأميركي تحديداً صمد باستمرار رغم المغريات والضغوط وعاديات الزمان.
لبنان الأكثرية!
الأكثرية بطربوش أحمر يؤكد الصمود على المبدأ ولو بدا لبعض السذج انتماء للماضي.
… ويا رياض الصلح الجديد: تفضل؟ الساحة لك!