الآن وقد انتهت معركة الإضراب المؤجل بلا غالب ولا مغلوب، بات بالإمكان أن نناقش القيادات العمالية في قرارها بالإضراب ثم برفعه.
وربما كانت هذه القيادات تهنئ الآن نفسها على ما انتزعت من تعهدات ووعود بتحقيق بعض مطالبها خلال شهرين.
وربما كان بعضها قد ضحك في سره، معتبراً أنه قد ضمن الفوز في المعركة الأخرى، الأكثر أهمية بالنسبة له، وهي معركة الانتخابات النقابية في 10 نيسان الجاري.
على أن الحقيقة التي لا يجوز أن تطمس، وسط زحمة التعهدات والوعود، هي أن الدولة قد حققت نجاحاً باهراً حين فرضت على الحركة العمالية التقوقع داخل شرنقة العمل النقابي البحت.
لقد كانت للإضراب أهدافه العامة، السياسية، إضافة إلى المطالب النقابية.. ومن خلال قرار التراجع عنه يبدو جلياً أن تلك الأهداف غابت عن حفلة المصالحة المتعددة الأطراف،
فوحش الغلاء لا زال حراً طليقاً ينهش رزق الكثرة الساحقة من اللبنانيين،
والاحتكارات قائمة بعد لم تمس، بل ولم تصدر حتى إشارة إليها في البيانات الرسمية التي قننت اتفاق الجنتلمان الذي عقد أمس.
لذا فمن حق المواطن الذي كان يعتزم الالتزام بقرار الإضراب اليوم تضامناً مع الحركة العمالية أن يسائلها: وماذا عن الأمور الأخرى.. ماذا عن المطالب – القضايا؟
وبالتأكيد فإن هذا السؤال هو بين الدوافع التي حدت بطرابلس لأن تستمر على موقفها: تظاهر وإضراب، رغم الاتفاق والوفاق..
إن الحركة العمالية مطالبة اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، بأن تلتحم بالشعب، بأن تمزق شرنقة المهنية والنقابية البحتة،
إنها مطالبة بأن تتسيس حقاً،
وإلى جهنم كل دعوات التحذير من التسيس والتسييس، فوراء هذه الدعوات – بالتأكيد – أصحاب المصلحة باستمرار الغلاء وبدوام نعمة الاحتكارات علينا.