لبنان الرسمي سعيد الآن بكونه “الأكثر فلسطينية” بين العرب!
فهو يقول، وبشيء من الزهو على العرب الآخرين، إنه “محامي القضية الفلسطينية”، ويجاهر بكونه الأكثر حماسة لقيام “سلطة وطنية فوق أي أرض من فلسطين يتم استخلاصها من براثن الاحتلال الإسرائيلي”.
ويؤكد، بمزيد من الزهو، إنه سيذهب إلى جنيف ليكون ممثل الفلسطينيين في المحادثات التي قد تقرر شكل المنطقة، وخريطتها للعشر سنوات المقبلة أو يزيد… “ذلك لأنني أكثر قدرة على الحركة من مصر وسوريا، ولأنني مسموع الصوت عالمياً”، ولأن … توفير وطن، أو شبه وطن للفلسطينيين يعتبر مخرجاً مثالياً من المأزق الفلسطيني للبنان الرسمي الباحث عن مخرج، أي مخرج عملي وفوري ونهائي.
واليوم سيصارح لبنان الرسمي أشقاءه في مجلس الدفاع بالقاهرة:
“أنا الفلسطيني من بينكم حتى إشعار آخر، وبالضبط حتى يستعيد الفلسطينيون أي جزء من فلسطينهم… لذا فالحل الوحيد لمشكلتي هو أن تحلوا مشكلة الفلسطينيين، فتفضلوا حلوها! لا يهمي أن يتم حلها بالسلم أم بالحرب، لكنني اشترط التضامن في الحالين ! لا ترسلوني إلى الحرب وحدي، ولا تذهبوا إلى السلم وحدكم! ولا تتركوا لي المعضلتين معاً، الفلسطينية والإسرائيلية، وقد عجزتم وعجز الكبار عن حل أي منهما”.
ولبنان الرسمي يعرف أن مصدر قوته، ضمن الظروف الراهنة، كونه مستقر الأكثرية الفلسطينية المقاتلة، وإن مصدر ضعف الحكومات العربية الأخرى حياله لا يتصل بوصفه التقليدي “بنيامين العرب” ولا بحجتهم التقليدية “فليكن سيرنا بخطى أضعفنا”، وإنما هو ينبع أساساً من الواقع السياسي العربي السائد بعد حرب رمضان وبعد اتفاقات فصل القوات وانتشار موضة الانفتاح.
ولبنان الرسمي يغمز ضمناً من قناة عرب حرب رمضان، مشيراً إلى إن فلسطين لم تنل ما كان ينتظر أن تناله من نتائجها التي ضيعت السياسة كثيراً من أمجادها العسكرية.
فعندما يقول لبنان الرسمي “أنا الأكثر فلسطينية” بين العرب لا يكون هذا امتداحاً للعرب الآخرين،
وعندما يؤكد الفلسطينيون، بطريقة أو بأخرى، هذا الواقع، لا يكون في هذا التأكيد شهادة للعرب الآخرين، بل لعله أقرب إلى الشهادة عليهم.
وعندما يترك لإسرائيل أن تتصرف بدورها وكأن لبنان هو الأكثر فلسطينية، أو حتى الفلسطيني الوحيد بين العرب، يصبح من حق لبنان ليس فقط أن يزهو “بعروبته” على بقية العرب، أو أن يطالبهم بالكثير الكثير مما لم يكن له الحق بطلبه من قبل، بل وكذلك أن يزايد عليهم جميعاً: هيا إلى الحرب! لا تقولوا لي “اذهب أنت وربك فحاربا”، بل هيا افتحوا جبهاتكم وسأكون في طليعة المقاتلين! أنا لا أخاف الحرب، أخاف الوحدة فيها فحسب!
وعلى بقية العرب، في مجلس الدفاع، أن يشتروا من لبنان “الأوزة” أو يرفع صوته… فتقع الواقعة.
أهي انتهازية لبنانية؟
ربما. لكنها ما كانت لتكون لو إن مواقف بقية العرب أوضح وأسلم، مواقفهم من لبنان، ومن فلسطين، ومن الحرب… الحرب التي لم تأت بالسلام ولا هي فتحت الطريق إلى فلسطين.
وما دام الموقف العربي هو الذي خلق الظروف الملائمة لهذه الانتهازية اللبنانية فعلى الحكام المسؤولين عن خلق هذا الموقف أن يدفعوا الثمن بالعملة الفلسطينية،
… مع التحيات للقدس!