دائماً بعد خراب البصرة؟!
فمع إعلان كلينتون »تجميد« حربه على العراق اكتشف العرب أنهم كانوا جميعاً ضحاياها (من غير أن تفيد »تضحياتهم« في طمس فضائحه ووقف محاسبته عليها..)!
»بعد خراب البصرة« اكتشف العرب أن حجم الكارثة أوسع من مساحة أرض الرافدين أو »السواد« أو بلاد ما بين النهرين، أو منبت الحضارات الإنسانية القديمة، أو »بروسيا العرب«، فهي قد طالتهم جميعا، و»دمرت« ما تبقى من قيمتهم السياسية ووزنهم ودورهم في العالم… بل هي، في الأصل، حرب على جميعهم، في المشرق وفي المغرب وعلى امتداد أرض الضاد!!
وإذا كان السلاطين قد خافوا من أن يظهروا فهمهم لهذه الحقيقة، فإن الجماهير التي نزلت إلى الشوارع كانت تعبّر عن وعيها لها (بقدر ما أتيح لها أن تعبّر) وكانت »تدافع« عن نفسها وهي تصرخ معلنة تضامنها مع اخوانها في العراق، فهم السابقون ونحن اللاحقون!
لقد غرق السلاطين في وحل المهانة، خصوصا وأنهم لم يكونوا في هذه الحرب »مرتزقة« بل أسوأ: فهم مَن دفع وسيدفع أكلافها التي لا يمكن حصرها، المعنوية منها والسياسية إضافة الى المادية منها.
كانوا يعرفون سلفا أنها ليست حربا ضد صدام حسين، بل ضد العراق وليس من أجل شعبه المحاصر والمجوَّع والمستهدف بالإذلال… وأنها لن تنتهي، بالتالي، بإسقاط صدام بل هي ستثبته وستمنحه صورة »المقاوم« و»المتصدي للغزو الأجنبي« باسم العروبة والإسلام، بينما سيبدون هم في صورة المتواطئ على أهله و»المنتحر« لإثبات ولائه لسيده، من جهة، ولاثبات براءته من أكل لحم أخيه نيئاً، من جهة ثانية.
.. ولقد أهين العرب خارج العراق بأكثر مما أهين العراقيون أنفسهم،
وأضير »خصوم« صدام حسين والخائفون أو المخوَّفون منه أو به بأكثر مما أضير حاكم بغداد الذي استمد من تواطُئهم أو تبعيتهم المهينة لأغراض السيد الأميركي »مشروعية« لم تكن له من قبل.
لم يهزموا. أنهم كانوا خارج الحرب التي سحقتهم تماماً. خارج قرارها وخارج إطار عملياتها وحطامهم وحده داخل نتائجها. لم تكن »موافقاتهم« أو مشاركتهم مطلوبة هذه المرة. كانوا أجبن من أن يمنعوا فما قيمة أن يشاركوا؟!
لم تكن حرباً أميركية على صدام حسين أو حتى على العراق. هي حرب فعلية على كل العرب (والمسلمين) وبصورة أساسية على »أصدقاء« واشنطن و»حلفائها!!« في المنطقة، (وليس بينهم صديق أو حليف، فمن لا يستحق مرتبة العدو لا يستحق نقيضها)..
في البداية كان أغنياؤهم خائفين، وقد باعتهم واشنطن الطمأنينة بثرواتهم،
الآن صار خوفهم مضاعفاً: ذهبت ثروة الماضي وها هم يشترون يومهم بثروة المستقبل!
باتوا يباعون الخوف بالثمن ليضطروا إلى شراء الطمأنينة بالثمن!
ذهبت الأرصدة وذهب معها »الدور« واكتشفوا، متأخرين، أن نفطهم لم يعد لهم، وأنه عبء عليهم، لا هم يملكون التخلص منه ولا التحكّم به إنتاجاً وأسعاراً ومردوداً،
وصار بوسع زعيم التطرف الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يحصد الجوائز، داخل فلسطين وخارجها، فقد تأكدت نظريته من أن العرب أضعف من أن يستحقوا التنازل ليعطوا »السلام«، يكفي أن »يؤمَّنوا« على أنفسهم حتى يعطوا كل شيء مستسلمين!
بعد خراب البصرة تجيء الدعوة إلى قمة عربية!
ماذا لدى عرب الهزيمة المصنوعة بأموالهم وبعجزهم وبتواطؤ بعضهم على البعض الآخر، يقوله واحدهم للآخر؟!
ولماذا سيقبل الخارجون من عروبتهم وعليها اقتراح القمة الآن، وإلى ما قبل أيام كانت فكرة القمة مستهجنة أو مرفوضة ولو »مختصرة« أو في إطار دول إعلان دمشق؟!
هل على القمة دائماً أن تنتظر وقوع الكارثة، فلا تجد أمامها من مهمة إلا تبني »الوضع الجديد« والاعتراف به والتعامل معه كأمر واقع أو كقدر أميركي (وإسرائيلي) لا مجال لرفضه أو تصحيحه؟!
دائماً بعد خراب البصرة،
ولكن خراب البصرة الآن، هو أحد عناوين المستقبل العربي،
والبصرة هي كل مدينة عربية، بقدر ما أن العراق هو كل العرب.