طلال سلمان

عن »الباراكيين« العرب!

يكاد العرب ينقسمون، على طريقة جمهور كرة القدم، الى »باراكيين« و»نتنياهويين« مع أقلية »موردخائية« تراهن عل »فلتة الشوط« أو »الهدف الذهبي«!
ويكاد العرب، لقلة حيلتهم، يعلّقون أو يجمِّدون الكثير من قراراتهم والمعالجات الضرورية لشؤون حياتهم، في السياسة كما في الاقتصاد، على نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي ينظرون إليها وكأنها »بداية التاريخ الجديد« أو »نهاية التاريخ القديم«،
وبسبب من ضعفهم واستمرائهم هذا الضعف وتلذذهم في إشهاره والتلطي خلفه، وتهالكهم على أي »مشروع حل« يكفيهم شر القتال، فإنهم ينتظرون أن يقرر الإسرائيليون ديموقراطياً!! صيغة هذا المشروع المرتجى والزعيم الشعبي المؤهل »لفرضه« على العالم أجمع كإنجاز تاريخي ينهي الصراع العربي الإسرائيلي والتزاماته الثقيلة!
لقد يئس العرب من أنفسهم،
ويئسوا من مشاريع التسوية التي قبلوها وما زالوا يتشبثون بأشلائها، برغم الرفض الإسرائيلي، المباشر والصريح، أو المموّه بالمماطلة والتسويف والتفنن في اختلاق الأعذار، مع الحرص دائماً على تبرير ذلك كله بالإرهاب العربي أو بالنكول عن موجبات التطبيع، أو بتقلبات الطقس أو بعدم إتلاف القرآن الكريم الخ!
توجهوا إلى واشنطن فأحالتهم إلى تل أبيب، مع الوعد بأن تسعى لديها لكي تحسن معاملتهم فلا تصدهم صداً فظاً،
وها هي واشنطن تستنفرهم الآن لكي يدعموا »رجلها الجديد« إيهود باراك الذي بصدقه سيهزم نتنياهو الكذاب، والذي بإيمانه العميق بالسلام سيفضح الطبيعة العدوانية والجنوح المكشوف إلى التطرف والميل الواضح إلى التحلل من أي التزام أو من أي اتفاق موقع، وتلك بعض صفات »بيبي« التي تزعج الإسرائيليين قبل العرب!
ولأن العرب أهل نخوة فقد اندفعوا جميعاً يجهرون بتأييدهم للرجل الآتي باسم السلام، مسقطين أصواتهم في طاحونة التطرف العنصري الإسرائيلي لعلها تبدل في »طبيعة« الحكم والحكومة والمنهج السياسي للزعيم الجديد في تل أبيب.
إنهم، بمجملهم، هاربون من الرجل الذي »أذلّهم«، فرفض عروضهم، وتجاهل تنازلاتهم، ومزق الاتفاقات التي وقعوها مع أسلافه ثم معه، والأخطر انه »فضحهم« أمام شعوبهم وأمام العالم، فتبدوا مجموعة من العجزة الذين اندفعوا في المقامرة حتى خسروا آخر قطرة في رصيدهم الشحيح، أصلاً.
وهكذا فهم مع باراك ليس لأنهم يعرفونه أكثر، وليس لأنه قد أعطاهم أو تعهد بمنحهم ما لم يحصلوا عليه أبداً من قبل، بل لأنهم يريدون أن »يتحرروا« من هذا »الجبار« الذي عاملهم باحتقار وعجزوا عن مواجهته، فلا هو قبِل صلحهم المجاني ولا هم أعدوا أنفسهم أو فكّروا بإعدادها لمواجهته حرباً!
إن بعض المسؤولين العرب، والعديد من الساسة والكتّاب وأهل الرأي، يتحدثون عن باراك وكأنه »رجل العرب« داخل الكيان الصهيوني،
ولعل بعضهم يقيسه بنفسه فيفترض أنه سيفرّط »بوطنيته« كما فرّط ويفرّط هو، وسينفذ »الأوامر الأميركية« كما ينفذها هو (وأحياناً من قبل أن تطلب منه)، وبالتالي فهو سيعلن في »خطاب العرش« ومباشرة مع جلوسه على سدة الحكم في إسرائيل نبذ العنف، والتخلي عن منطق الحرب، والانسحاب من الأراضي المحتلة جميعاً، والتسليم بالدولة الفلسطينية وسيادتها الكاملة مع الاستعداد للبحث في صيغة مقبولة للقدس!
لنتنياهو بقايا ملامح العدو،
أما باراك الذي يسميه الإسرائيليون »السيد أمن«، والذي استعاد من تاريخه الشخصي ولاجتذاب المزيد من الأصوات بعض بطولاته وبينها اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة (أبو يوسف النجار، كمال عدوان وكمال ناصر) في بيروت 10 نيسان 1973، فهو في عيون بعض الأنظمة العربية رجل السلام الموعود.
ومثل هذا الموقف »غير السياسي« يفضح الضعف العربي العام، وانعدام التأثير في مجريات اللعبة الانتخابية الإسرائيلية.
فبين الأعداء الكلمة للقوة وحدها، داخل الانتخابات كما في ميدان القتال، والهارب من الحرب لن يستطيع التأثير بورقته داخل الصندوقة، بل انه أصلاً مشطوب من لائحة الشطب، ولا يملك أن ينتخِب، لأن الانتخاب فعل قوة أيضاً.
مع الاعتذار للسادة »الباراكيين«، الذين يأخذهم الإفلاس والتسليم بالعجز عن التأثير إلى مطالبته هو وهو وحده بأن يهزم »لهم« الطاغية نتنياهو.
العاجز عن الحرب لا صوت له.
وللمحارب صورة واحدة، غالباً، سواء أكان اسمه بنيامين نتنياهو أو إيهود باراك الذي تعلم كيف يقول »مساء الخير« بالعربية، أو إسحق مردخاي الذي يخاطب عرب فلسطين 48 »اخواني الأعزاء«!
من لا صوت له في بلاده كيف يكون له صوت يحسم المعركة عند عدوه؟!

Exit mobile version