طلال سلمان

المهمة الانقاذية الاولى لسليم الحص

لأن للرئيس سليم الحص مكانة مميّزة في قلوب اللبنانيين وفي ضمائرهم فهم يتوجّهون إليه مطالبين ليس فقط بإنجاز كل »ما لم يستطعه الأوائل«، بل أيضا بتصحيح كل ما أتاه أولئك الأوائل لا سيما الأخير منهم، الرئيس رفيق الحريري.
.. خصوصا وأنه، مدفوعاً بالرغبة في تعويض ما فات، واكب طموحهم إلى التغيير فوصل إلى حد القول »بالإنقاذ«، مستندا إلى العاطفة العارمة التي أحاط بها الناس »العهد الجديد« والآمال العريضة التي عقدوها على العماد إميل لحود رئيسا بالاستناد إلى تجربته الناجحة في قيادة الجيش.
ولأن الحكومة هي، وهي حصرا، »القيادة السياسية للبلاد«، فمن الطبيعي أن يتوجه الناس إليها فيطلبون منها ويطالبونها، ويحاكمونها كل يوم، في هذه الفترة الانتقالية، مستبعدين شخص رئيس الجمهورية، بوصفه المرجع الأخير، عن أي مساءلة… وهذا بالطبع يحمِّل الحكومة، ورئيسها على وجه التحديد، مسؤوليات إضافية تتناول في جملة ما تتناوله ما يصدر عن رئاسة الجمهورية أو باسمها من تصرفات أو أقوال.
ربما لهذا يعيش لبنان، مع بدايات العهد الجديد، مجموعة من المفارقات اللافتة:
} الأولى ان الناس مع العهد، بشخص الرئيسين إميل لحود وسليم الحص، ولكنهم لا يعرفون، وفي ما يتجاوز العاطفة أو »اللافتة«، لماذا لا يجري تثمير هذا الرصيد القوي، سياسيا، من أجل مهمات الغد وبعيدا عن مرارات الأمس؟!
} الثانية ان قوة الرئيسين، وتحديدا الرئيس سليم الحص، »معنوية« لأنها تنبع من وتستند الى اعتبارات »قيمية« مثل الالتزام بالدستور، احترام القانون، الإيمان بالمؤسسات، النزاهة، نظافة الكف، إنصاف المغبونين، وإعطاء أصحاب الكفاءات الفرصة التي حُرموا منها سابقا لأي سبب.
من هنا فأي خطأ في التقدير أو في التقييم أو في السلوك، الآن، يبدو فاحشا.
أي تجاوز للقانون يتخذ حجم الكارثة، في حين أنه في العهود الماضية كان يمكن أن يمر باعتباره »من طبائع الحكّام«.
والاعتذار بالضرورات السياسية التي تبيح المحظورات ليس مقبولاً تماما، فالكل يعرف أن مساحة الحركة التي أعطيت للعهد الجديد في تشكيل حكومته الأولى أوسع بما لا يقاس مما أعطي لغيره، بل وقد تم التغاضي عن حق الرأي في وزارات حساسة وفي مواقع حاكمة، تسهيلا وتمكينا للعهد من سرعة الإنجاز.
وعلى سبيل التذكير لا المقارنة فإن رفيق الحريري طالما أعلن »براءته« من حكومته الأخيرة، وطالما شكا من أن رأيه في تشكيل حكوماته الثلاث كان »رمزيا«، ولذا كان يكتفي بوزارات محددة تاركا الأمر لذوي الشأن.
ثم ان المبالغة في إظهار الاحترام للمؤسسات وإضفاء طابع العصمة عليها، كما صار الأمر مع هيئات الرقابة، يسيء إليها وإلى دورها المستقبلي ربما أكثر مما يسيء إليها أن تهمَّش أو يُطمس دورها إلى حد الإلغاء.
الزائد، هنا، أخو الناقص، فإذا كان العهد الماضي قد وضعها جانبا ليتصرف من خارجها، فإن تصويرها وكأنها مصدر القرار في هذا العهد مبالغة غير مقبولة.
فالكل يعرف أن هيئات الرقابة كانت مشلولة تماما، تُدار بالوكالة، والكثير من مواقع القرار فيها فارغة (ألم تكن أولى قرارات الحكومة الجديدة تعيين ثلاثة رؤساء لهيئات الرقابة الثلاث؟!).
كذلك فالكل يعرف أن مجال حركة هذه الهيئات كان ضيّقا جدا، إن لم نقل معدوما، تعيش تحت وطأة إرهاب أصحاب السلطان ومن صُنِّفوا نتيجة مجهودهم الحربي »خطاً أحمر« لا يأتيهم الحساب (أو العقاب) لا من فوقهم ولا من خلفهم ولا من الأمام، وبالتالي فإن »الملفات« كانت فارغة، أو أن ما كان فيها قد أُفرغ عمدا أو أُسقط سهواً فباتت سجلات الجميع »بيضاء« كذممهم، لا تكفي لعقوبة مسلكية فكيف بالصرف أو بالوضع في التصرف، استنسابيا.
وبالمقارنة المباشرة لا يصعب أبدا الإثبات أن بين من صرفوا أو تمّ إعفاؤهم من هو أكثر أهلية وأقرب إلى نظافة الكف من بعض من تم تعيينهم وجعلوا عناوين أو شهادات على سلامة الاختيار في العهد الجديد.
إن العهد يدفع من رصيده ثمن كل خطأ يقع فيه،
ولأن الرئيس الحص في موقع »الضمير« فإن الناس يتوجهون نحوه.
ولأن الحكومة هي القيادة السياسة فالناس يلتفتون إليها بالمحاسبة،
ثم ان الأخطاء الثابتة، في نظر الناس، إنما صدرت عمن يستقوون »بقربهم من اذن السلطة«،
والناس يرون أن الضحية الأولى لهذا الاستقواء هو الرئيس سليم الحص نفسه،
أليس هو »المعيار« أو »المسطرة« والمرجع في النزاهة؟!
أليس هو رجل الدولة وحامي المؤسسات، وعنوان التغيير والإنقاذ من موقع القيادة السياسية للبلاد؟!
إن على الجميع واجب حماية الرئيس الحص،
لكن الرئيس الحص مُطالب أيضا ليس فقط بأن يحمي نفسه بل وبأن يحمي العهد كله، من هؤلاء الذين يسيئون إليه،
والمعارضون، الذين يتكاثرون كل يوم، ما زالوا أعجز من أن يسيئوا إلى العهد وإلى حكومته الأولى من بعض »أهل الداخل«،
وإذا كان الرئيسان لحود والحص قد اعترفا بأن ثمة أخطاء قد ارتُكبت فعلاً، مؤكدين على ضرورة مراجعة ما اتخذ من تدابير واجراءات، فالأحرى بهما أن يصلحا الخلل في الداخل لكي لا تضطر حاضنة العهد إلى التنبيه من خطر »الشيخوخة المبكرة«، ولكي لا تتحول الحكومة إلى »تصريف الأعمال«، بينما الآمال العريضة معقودة عليها بأنها هي حكومة الإنقاذ والتغيير.
ولعلها ستكون المهمة الإنقاذية الأولى للرئيس الحص، في هذا العهد الوليد.

Exit mobile version