طلال سلمان

اجازة مواقف متطرفة

مع ان »مؤتمر الحوار الوطني« قد »صُنع في لبنان« على حد ما يقوله أقطابه في مجال التباهي بالقدرة على »ممارسة القرار الوطني المستقل«، إلا ان ذلك لا يمنع من التنبه إلى طبيعة اللحظة السياسية التي تعيشها منطقتنا في ظل زلازل متعاقبة تليها هزات ارتدادية تفرض التخوف على الكيانات السياسية، كما على الوحدة الوطنية في مختلف اقطار المشرق العربي، خاصة، وفي اقطار المغرب العربي بالاستطراد.
إن بين »ضيوف« المؤتمر، بدعوة أو من دون دعوة، الدول العربية المعنية بسلامة لبنان واستقراره، تتقدمها مصر والسعودية،
ومن »ضيوفه« أيضاً، الولايات المتحدة الأميركية (ومعها بريطانيا) ومن ثم فرنسا وإلى جانبها أوروبا، مع مقعد محجوز »للمراقب الروسي«، وهو يعرف كثيراً وان تكلم قليلاً…
والقاعدة أن صاحب المصالح الأقل هو الأصدق في نصيحته.
أما »الطيف المهيمن« على المؤتمر وأطرافه فهو سوريا، بغض النظر عن عواطف المؤتمرين إزاءها… فحتى من »يجهر« برفضه للوجود أو النفوذ أو التأثير السوري، لا يقدر على ان يتجاهل حقائق التاريخ والجغرافيا… والاخطر: ان أحداً لا يمكنه القفز من فوق الحقبة السوداء التي عاشها البلدان على امتداد الأشهر الثمانية عشر الأخيرة، التي وصلت إلى ذروتها احتداماً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ذلك الإثنين الأسود من شباط 2005.
ان سوريا، بالاضطرار وليس بالرغبة، طرف معني بكل الموضوعات المطروحة على طاولة الحوار: من تثبيت لبنانية مزارع شبعا إلى السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ومن مسألة رئاسة الجمهورية (بافتراض ان الرئيس الحالي هو وديعة سورية) إلى سلاح »حزب الله«، نظراً للعلاقة الخاصة المعروفة جيداً والتي لا ينكرها أي من طرفيها… هذا قبل ان نصل إلى الملف الثقيل للعلاقات بين البلدين المتكاملين بالطبيعة كما بالمصلحة اللذين جمعتهما ذات يوم »معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق« طلباً لعلاقات أنقصت »الطبيعي« فيها إلى »مميز«!!
ثم ان العدو الإسرائيلي يعيش حالة من الدعة فوق قمة التفوق المطلق، بما يمكنه من استكمال مشروعه لشطب فلسطين عن الخريطة، كقضية تستقطب الاجماع العربي والتأييد الدولي بفضل التضحيات الاسطورية التي قدمها شعبها لتأكيد حضوره وحقه في دولة ولو على قسم من أرضه بعدما استحال عليه الاحتفاظ بكامل بلاده أو بمعظمها.
وها نحن نعيش على فلسطين خوفين معاً: خوفاً من التفتيت الإسرائيلي المنهجي لأرضها، وخوفاً على وحدة شعبها الذي قد يدفع العجز عن الانجاز منظماته إلى التصادم بالسلاح، بينما إسرائيل تواصل خطتها اللاغية لفلسطين في ظل صمت عربي مريب يكاد يصل إلى حافة التواطؤ، وتآمر أميركي غربي معلن لشطب الاتفاقات العلنية والسرية وتمزيق »خريطة الطريق«، إلى الحل الذي لم يكن في أي يوم حلاً إلا بمعنى التسليم بتحديد الخسائر!
أما العراق فإن ما يجري فيه وما يدبَّر له في ظل الاحتلال الأميركي ينشران الذعر من الفتنة في »دول الجوار« جميعاً،.. ومشروع الفتنة هذا يمكن ان يتحول إلى »استثمار« للأجنبي في لبنان على حساب سلامة الوطن ووحدة دولته.
ويُفترض بسوريا التي تعيش، كما لبنان، حالة من القلق المحض، نتيجة هذه التطورات التي تكاد ترسم خرائط جديدة لدول المنطقة، ان تساعد لبنان، شعباً ودولة، ليس فقط بدواعي الأخوة والمصلحة المشتركة، بل أولاً وأساساً كجهد لحماية الذات من المخاطر المحدقة بالدولتين اللتين أوصلتهما الاخطاء إلى حافة العداء المتبادل.
بالمقابل، فإن من البديهيات ان يعطي المؤتمرون هذه العلاقة حقها من الاهتمام، فلا يتصرفوا بنزعة الانتقام من ماضٍ لا يريد أحد ان يستعيده، ولا يتنكروا لحقائق التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة… فاستقلال لبنان لا يقوم على قاعدة العداء لسوريا، كما ان استقرار سوريا لا يتوطد ما استمر لبنان معتلاً.
ولعل الإجازة الطويلة تكون فرصة للمراجعة كي يستأنف المؤتمر أعماله في جو من التعقل والرغبة في الوصول إلى حلول جدية للمشكلات الجدية، وليس بضغط الرغبة في تسجيل المواقف بالمزايدة ولو على حساب أمن البلاد ورزق العباد.

Exit mobile version