للاحتلال، حيثما وجد، منطق واحد لا يتغير، هذه عيّنة منه بلسان رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين:
»ليس امامنا خيار آخر الا مواصلة الحرب ضد الارهاب وحزب الله لضمان السلام في الجليل«.
ومع ان الحجة دامغة فلا بأس من ذريعة شكلية للتمويه:
»ان الجيش الاسرائيلي سيواصل عملياته في جنوب لبنان لضمان الامن لسكان شمال اسرائيل وسكان جنوب لبنان«…
كأنما الجيش اللبناني او »حزب الله« هو الذي »يحتل« بعض شمالي فلسطين ويقيم هناك »منطقة امنية« بمرتزقة محلية… او كأنما الحكومة اللبنانية هي التي تذهب لتفقد »مستعمراتها« الفلسطينية، في ما وراء خط الحدود الدولية، متعهدة للمرتزقة المحلية بالحماية وبضمان مشاركتها في »السلطة الشرعية« في تل ابيب!
ليس السؤال: من يهدد سلامة الجليل، غير الاحتلال طبعاً،
وليس السؤال: لماذا يرى الاسرائيلي نفسه مسؤولاً عن سكان جنوب لبنان، كأنما ليس لهذا الجنوب »أهل« و»دولة«،
انما اللافت والطريف ان يتولى هذا الاسرائيلي »حماية« بعض الجنوب اللبناني المحتل بنشر الموت والنار على امتداد الجنوب (وبعض البقاع الغربي) ساحلاً وجبلاً، ثم يحاول ان »يبيع« هذه الخدمة من ضحاياه داخل »الشريط المحتل« وفي المناطق المحررة، بل وعلى مستوى العالم كله!
فأبو علي، رضا علي ياسين، ومن قبله القائد المتميز ل»حزب الله« السيد عباس الموسوي، وسائر الشهداء من المجاهدين في صفوف المقاومة، وكل هؤلاء لم يسقطوا فوق ارض فلسطين (المحتلة)، بل فوق ترابهم الوطني، واحياناً امام ابواب منازلهم او في غرف النوم وسط عيالهم، في قراهم وبلداتهم الفقيرة في جبل عامل.
اي ان »الحرب« تكون حيث يكون الاحتلال، وكنتيجة له، وهي تتخذ شكل رد الفعل من »الضحايا« على قاهر ارادتهم ومستعمر ارضهم.
لكن اسحق رابين يريد تحقيق ما لم يحققه اي محتل آخر عبر التاريخ: انه يريد ان يحتل بلاد الآخرين، وان يحرقها بناره يومياً، وان يقتطع بعض ارضها وبعض شعبها فيستخدمه كرقيق او كعمالة رخيصة، ثم لا يريد ان يسمح بنأمة احتجاج او اعتراض وإلا فهي الحرب، والبادئ هو الضحية وعليه ان يدفع الثمن من دمه ورزقه وسلامة اولاده،
وهي حرب اميركية، او مغطاة ومقبولة بل ومبررة اميركياً، والا لما تمكن رابين من اشعالها ومن الاستمرار فيها، برا وبحرا وجوا، على الطريقة التركية الفولاذية!
فلكل طرف عربي »مكافأته« الاسرائيلية المزكاة اميركياً، او الاميركية المزكاة اسرائيلياً:
} لملك الاردن شطب ديونه البالغة سبعماية مليون دولار، بعد »رهن« المملكة كلها وبيع »خدماتها« والتسهيلات للحليف الاسرائيلي الجديد،
} ولياسر عرفات حفنة من الدولارات والكثير من التحريض والامتحانات اليومية لإثبات كفاءته في ذبح آخر حجر من حجارة الانتفاضة واستئصال آخر معارض. ان دوره »التاريخي« ان يكون »شرطة محلية للاحتلال الاسرائيلي، ومقاومة محلية للمقاومة الفلسطينية«،
} أما لمصر التي تبحث في كيفية استعادة كرامتها المسفوحة فليس ثمة الا الاذلال اليومي ومحاولة إلغاء دورها في منطقتها وبين اهلها والضغوط الاقتصادية حتى تركع فتوقّع على حق اسرائيل في ابادتها ومعها كل العرب بالسلاح النووي، مع اشتراط الا يتوجعوا وهم يموتون!
} ولسوريا الحصار واستمرار التشهير والتلويح بقائمة الارهاب والعمل لعزلها عن اهلها العرب ببعض اهلها العرب، ثم السعي لتأمين الانحياز الاميركي المطلق الى منطق الاحتلال الاسرائيلي بحيث تبدو وحيدة ومعزولة ومحاصرة ابتداء من لبنان وحتى المغرب وسلطنة عُمان!
} واما لبنان فليس له غير القتل اليومي والنار الحارقة طالما استمر فيه من يفكر بمقاومة الاحتلال ومن يذكر اسرائيل مسبوقة بكلمة »العدو«،
ليس للاحتلال الا لغة واحدة،
وأغلب الظن ان انهماك القيادات اللبنانية في معركة التمديد بالتجديد او التجديد بالتمديد يشغلها عن سماع دوي القصف الاسرائيلي او نداء ابطال الصمود الوطني والقومي في جبل عامل بضرورة الا يُتركوا وحدهم في هذه الحرب المفروضة.
الحرب على الوطن والدولة والشعب كله، وليس على شخص او طرف او حزب او طائفة، او جهة محددة في هذه القرية او تلك.
والوطن محتل كله ولو كانت مساحة الارض المحتلة شبراً واحداً لا غير!