مبدع هو الشــعب الفلــسطيني فــي تمــتين أسباب صموده في أرضه، حتى وهو في الأسر.
إنه يقاتل، منذ أجيال عديدة، وضد أعداء كثيرين في الوقت ذاته، أخطرهم الاحتلال الإسرائيلي ومحاولاته المستمرة والمتعاظمة دموية وشراسة لإخراجه من أرضه فلا يزداد إلا ثباتاً فيها. يواجه العنصرية بعروبته، ويواجه محاولات تفتيت الأُسر بالتماسك، ويواجه مصادرة الأرض بالثبات في ما تبقى منها، ويواجه الإفقار بالتعاون واقتسام الرغيف، ويواجه المحاولات الإسرائيلية لقمع التعليم بالإصرار على تعليم أبنائه ولو في أكواخ أو تحت أنقاض البيوت المهدمة بالقصف، إذا ما تعذر الوصول إلى المدارس والجامعات.
ثم إنه يقاتل ضد التخلي العربي من دون أن يتخلى عن إيمانه بالعروبة، فالأرض هي العروبة، والمدن هي العروبة، والقرى بكل بيوتها ما هدمه الاحتلال منها وما يهدد بهدمه غداً هي العروبة. فالعروبة هي هي الصمود… وكل خرافات الحلول السلمية والتسوية التي يبتدعها التواطؤ الدولي هي مناورات تستهدف عروبته.
أخطر المعارك التي يخوضها شعب فلسطين تلك المتصلة بوحدته وبقائه في أرضه… وهو قد ابتدع أشكالاً من التعاون والتعاضد والتساند عبر هيئاته الأهلية، وتاريخها عريق يمتد قدماً إلى الثلاثينيات من القرن الماضي… ومع أن بعض التمويل الأجنبي قد أساء إلى روح التطوع فإن أكثر من ثلاثة آلاف منظمة وهيئة اجتماعية تنشط في خدمة المجتمع المقسم بين «سلطتين» تعلوهما سلطة الاحتلال… وهذه المنظمات قد أكدت حضورها خلال الحرب على غزة وهي بعض الحرب المفتوحة على فلسطين وعروبتها منذ قرن من الزمان إلا قليلاً. ولقد اجتهدت منظمات المجتمع الأهلي في حماية المجتمع من الانهيار، خصوصاً أنها نــأت بنفـــسها عن الانقسـامات الســـياسية التي تحاول إنعاش عقلية القبيلة، بينما سعى التمويل الخارجي إلى قتل روح الجماعة، في ظل صراع على «السلطة» يكاد يدمر حقيقة الشعب الواحد، مما يحقق انتصاراً مجانياً للعدو الإسرائيلي.
هذا العدد من فلسطين عن الجهود التي يبذلها المجتمع الفلسطيني تحت الاحتلال لحماية مقوماته وقدرته على الصمود، من فوق رأس «السلطتين» المتنازعتين على حكم المعتقلين الجماعيين في الضفة وغزة، وبالاتكاء على التكافل الاجتماعي بين الأهل، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
هي تحية لأهل الصمود أبناء العروة الوثقى حافظي العهد لفلسطين وتاريخها بعروبتها، والذين وفروا الكرامة لشعبهم وأرضهم فلم يتحولوا إلى متسولين على باب… المانحين الذين يعززون قوة إسرائيل بمليارات الدولارات ثم يمنّون على أهل الأرض بثلاثين من الفضة…