فرغ صبر »اللبنانيين« وكلّ متنهم وهم يقرعون باب واشنطن متوسلين اليها ان تكلمهم فتهديهم سواء السبيل: التمديد أم انتخاب رئيس جديد؟
لن يناقشوها، طبعا، في قرارها، فالأمر لها من قبل ومن بعد، ولكنهم يدفعون نصف أعمارهم ليسمعوه منها مباشرة، ويا حبذا لو تبلغوه بانكليزيتها الراقية وليس بالعربية المكسرة لخبرائها المستعربين والمنحازين بأكثريتهم الى دمشق!
اليوم، تؤكد مصادرهم، سيكون القرار!
اليوم، اليوم، سيبلغ وارن كريستوفر فاروق الشرع »الرغبة الأميركية« فيشكره وزير خارجية حافظ الأسد، ويتعهد له بحسن التنفيذ، وتدور »كلمة سر« جديدة في بيروت ويسحب »التمديد« من التداول وكأن أحدا لم يفكر فيه!
لذا يحبس هؤلاء »اللبنانيون« الحساسون جدا تجاه »التدخل« في الشؤون الداخلية أنفاسهم، حتى إذا جاء »التدخل الثاني« انفرجت أساريرهم وهبوا الى الموائد العامرة فسكروا حتى الثمالة منتشين بنجاحهم في حفظ »السيادة« وتأمين الرعاية ل»الاستقلال« والحماية للكيان الخالد.
تدخل واحد خطر داهم، لا سيما متى كان عربيا وسورياً على وجه التحديد،
اما اذا جاء التدخل من الغرب عموما ومن واشنطن بالذات فهو »النعمة« وليلة القدر المحققة للأماني ومعها العنفوان.
»لا يمكن ان يتخلى عنا أصدقاؤنا الكبار. لا يمكن ان يتركوا يد سوريا طليقة لتقرر وحدها. انهم أوفياء، ثم ان مصالحهم تفرض عليهم حماية لبنان وصيانته من خطر الهيمنة السورية..«.
فإذا ما لمسوا لديك شكا او تشكيكا في دقة كلامهم اردفوا يقولون: » ألم تسمع ما قاله رون شلايكر على باب رئيس الحكومة؟! لقد حدد المبادئ التي تطلب واشنطن مراعاتها، فهل تستطيع دمشق تجاهل هذه »النصائح« الأميركية«؟!
لا تجربة العشرين عاما بكل وقائعها المفجعة علمتهم، ولا دروس العهد الأول لجمهورية الطائف افادتهم في ان يتواضعوا قليلا ويتخلوا عن افتراضهم ان لبنان هو مركز الكون، وان سيد البيت الابيض لا ينام قبل ان يطمئن الى الازدهار والاستقرار ومتانة الليرة فيه!
انهم يصرون على المضي في السياسة الخطأ الى حد الانتحار،
ينطلقون من ادعاءات لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالمصالح، ويندفعون في مراهنات بل مقامرات حمقاء لا تستند الا الى حساباتهم الشخصية، وضمنها مطامحهم وأحقادهم وعقدهم التاريخية تجاه الاجنبي، فاذا تبين خطأ الادعاء وخسروا الرهان انفكأوا محبطين واتهموا العالم كله بقلة الاخلاق والخسة والغدر وخيانة مبادئه ومثله العليا!
وهم يبسِّطون العلاقات الدولية مفترضين انها لا تختلف كثيرا عن العلاقات السائدة بينهم، هم »الفعاليات« و»المرجعيات«، والتي لا يحكمها منطق ويمكن ان تنتقل من الحرب الشاملة الى التحالف بالدم والعكس بالعكس من دون اي تبرير او تفسير مقنع لرعاياهم البسطاء والمخلصين ل»القضية«.
المهم ان هؤلاء يتوقعون »معجزة« اليوم بالذات،
وهم يفترضون ان العلاقات الاميركية السورية تبدأ بلبنان وتنتهي به والأخطر أنهم يرون في واشنطن الممثل الشرعي والوحيد للبنانيين، فما تقوله او تراه هو الخير المطلق لسيادتهم واستقلالهم والكيان، وما لا تقره مرفوض وملعون الى يوم الدين.
وكم ستكون خيبتهم مريرة وعميقة اذا ما انتهى اللقاء المرتقب بين كريستوفر والشرع من دون اشارة واضحة الى موضوع »الاستحقاق الرئاسي« في لبنان، وربما تحديد شخص الرئيس الجديد، أقله بالمواصفات ان لم يكن بالاسم الصريح!
هل هي سذاجة، ام غرور، ام جهل بأصول السياسة، لا سيما على المستوى الدولي؟
ومن قبل كان الرهان على اسرائىل، وعلى عرفات، وعلى صدام حسين، وقد دفع لبنان وما يزال يدفع ثمن تلك المقامرات الحمقاء.
اما الرهان على فرنسا بشخص ليوتار الذي منح الجنسية اللبنانية عرفانا بجميله في تسعير الحرب بين الاخوة، فمطوي الآن، بعدما »غدر« الرئيس الفرنسي شيراك بالعلاقات التاريخية معهم وباعها بالمزاد العلني.
… في هذا الوقت: لا حوار في الداخل، ولا سياسة ولا شيء غير الفراغ والدوران في دوامة التمديد.
أغثنا يا كريستوفر!