تسخر الطبقة السياسية في لبنان من “رعاياها” التي لم تعتبرهم، في أي يوم، شعباً، ولا هي احترمت “دولتهم” التي ترى فيها مجموعة من المزارع للأعظم طائفية وللأحط مذهبية.
لم تحترم هذ الطبقة، في أي يوم، دستور البلاد، كما لم تعترف بالمواعيد الدستورية للانتخابات، يستوي في ذلك انتخابات رئيس الدولة، او انتخاب النواب الاكارم، او تشكيل الحكومة، حتى لا يسود الفراغ ويعطل مصالح البلاد والعباد.
الأمثلة فاقعة في وضوحها، كما في دلالاتها:
ـ لأكثر من مرة، بعد الحرب الاهلية التي خلخلت النظام ولم تسقطه، بقي موقع رئيس الجمهورية فارغاً، بلا سبب معلن وواضح، فيما عدا التكهنات عن اختلاف “الدول”، بعيدها بالأساس ومن ثم القريب، على شخص الرئيس العتيد..
ـ ولأكثر من مرة، في ظل “السلم الاهلي” السائد، “مات” المجلس النيابي من دون أن يدفن، واعتمدت سياسة “تمديد الولاية”، وهي بدعة مستنكرة لان ذريعة “الظروف المانعة” كانت كذبة سوداء، بدليل أن الانتخابات النيابية قد أجريت، وبقانون همايوني بعد فترة، ولم تتفجر حرب اهلية بين “الناخبين” الذين تعاظم ضياعهم بعد ادخال “النسبية” على الاقطاع الطوائفي والسياسي وهكذا تم استيلاد المجلس النيابي الجديد من رحم المجلس القديم بعد “تزينيه” ببعض الوجوه الجديدة ـ القديمة..
ـ وكان طبيعيا أن تكون المهمة التالية، وبغض النظر عن الملاحظات الدستورية والقانونية، تشكيل الحكومة الجديدة..
وها أن اللبنانيين المثقلين بهموم معاشهم قد نسوا أو تناسوا موضوع هذه الحكومة التي لا يكاد المرشح لرئاستها يغط في البلاد حتى يطير من جديد، إلى زيارة غير محسوبة، او إلى اجازة مفتوحة، او إلى جولة لاستدراك خسائر شركاته ومصارفه وهي ثقيلة، لكن الله و”اهل الاحسان” في الداخل والجزيرة العربية، من الكرم والاريحية بحيث يهبون إلى نجدته ومن ثم انقاذه.
على أن ذلك لا ينقذ البلاد، ولا يخفف عن العباد..
وها أن الناس، كل الناس، “في خير حال”: ازمة سياسية مفتوحة، مع محاولات لتحويلها إلى مدخل لفتنة طائفية برعاية ملكية، وازمة اقتصادية ضربت مختلف القطاعات، وتسببت في زيادة معدلات البطالة بنسب غير مسبوقة، ودفعت جمهور الشباب إلى التوجه نحو الهجرة إلى اية بلاد تقبلهم، ولو … كعمال نظافة، او اجراء في المطاعم والمقاهي الخ..
من يحاسب من، في هذه الجمهورية التي يحكمها تحالف بين الاقطاعيين وزعماء الطوائف ورجال مخابرات “الدول”، كل “الدول”، الصغيرة منها والكبيرة والاكبر والاغنى والاعظم نفوذاً.. فيلغي السيادة والديمقراطية ويجعل “الحرية” مشاعاً للأقوى والاكثر ثراء واكثر ارتباطاً بالخارج.. أي خارج وكل خارج، يستوي أن يكون “عربياً” أو “اجنبيا”، وان ظلت الارجحية للناطق بلغة اهل واشنطن ولندن ومستعمراتهما.
لقد أُسقطت او أُجهضت آمال الناس في أن تتحسن الاحوال بعد الانتخابات التي تبخرت نتائجها ودلالاتها بعد ساعات من اقفال الصناديق وصمت رصاص الابتهاج باغتيال الديمقراطية في وطن الارز.
عشتم وعاش لبنان.