أيها اللبناني كن واقعياً. ليكن طموحك الكبير، لقمة فقط ، لا تطالب بوليمة. تواضع في ما تريده. كن واقعياً جداً. تأقلم مع الفقر. اندمج مع اشباهك الجائعين. لا أحد يحسد احداً. الجياع جداً يتآخون. لا تعول ابداً على أحد، ممن تعرفهم ولا يعرفونك. من تظنهم قادة، يكرهونك. إياك ان تتوسل احداً منهم. خير لك ان تتسول من ان تتوسل. التوسل مَذَلة.
جوعوا، ايها الفقراء في لبنان. حافظوا على نظافة ارواحكم. فلتكن احلامكم صغيرة جداً. الاحلام الكبيرة، في وطن قزم، تزيد من قهركم وفقركم. عليكم ان تتصدوا لأوهام الخلاص.
أيها اللبناني، لا تحاول المستحيل. وجبة يومية؟ طبعاً، وإذا تعذر ذلك، الجأ الى الصيام. يوم لك ويوم عليك. حافظ على جبهتك العالية. لا تطأطئ رأسك لأحد. وإذا جاءك أحد يبشرك بالصبر والتقوى والاتكال على الله… إصفعه على فمه. سَدَّ بوزه بقبضتك. هذا المبشر بالصبر، هو من حثالات القوم، الساكنين في العلالي. هو من آكلة لحوم البشر. وهو، كما يجب أن تراه، حقير جداً.. وظيفته أن يكون حذاء في رجل الزعيم او أحد خدمه الخطيرين جداً، والموكل اليه تنفيذ أقذر السياسات.
ليكن الغد يوماً ككل الايام. لا تأمل كثيراً. شياطين البلد سدوا كل المنافذ. لا غد لك. هناك غدهم، وحدهم. وعلى الشعب أن يزحف ببطونه من أجل لقمة. لذا اياك أن تصدق صحيفة او نشرة اخبار تلفزيونية او حوارات يخوض فيها خبراء الدجل. صدّقني، اننا نعرفهم جيداً. كل مذيع او “محلل” او ” مناقش”، يقود هجوماً كلامياً، على خصمه. يخترع الاكاذيب. يدعي أن الخراب في لبنان، بسبب سياسات الخصم، فيجيبه “الخصم” الذي يشبههه في السفالة، متهماً الآخر، العدو الطائفي، بأنه هو الذي تسبب بالانهيار.
كذابون. كذابون. كذابون بالثلاث. قلة قليلة جداً، تحتفظ بالكلام السليم الذي لا يلذ لأحد. المطلوب عسكرة الناس، بمن فيهم أنت، بما فيهم كل الجائعين مثلك، في معسكرات مقفلة. وكل معسكر يدعي انه حماك، ولكن الخصم منعه.
كذابون. انت وحدك الصادق، أيها الجائع، تدرب على الكفاف. اعتنِ بقبضتك. لا تتسول ابداً. كن انت بشجاعتك وبسالة روحك. مرِّن قبضتك كل يوم. حدد خصمك، بل خصومك الكثر. تناولهم بلاذع الكلام. لا تخجل ابداً. الفقر ليس عيباً. انه مصيبة كبيرة. صح. الفقر النبيل يعصمك من الندم. أنت رجل، ويمكن أن يقال هذا الكلام للمرأة الباسلة ايضاً. والرجل الرجل، كيان حر. هو ليس عبداً. وعليه الا يتنازل عن حقوقه. قد تقول لي: أنك تقول فيَّ ما ليس عندي منه. من اين امتشق الشجاعة؟ كيف أصل إلى غريمي المحصَّن في قصوره، ولديه جلاوزة بشرية ككلاب حراسة… ؟ خلص. لا تنفخ في كرة مثقوبة. قل لي، انا أجوع، فكيف أطعم ولدي؟ من أين اشتري حليباً لطفلتي؟ الدواء، كيف احصل عليه.. “حل عني. اللي فيي مكفيني”.
كلامك لا يسد رمقي ولا يشفي مرضي.
من حقك أن تشكك في ما أقوله. لكني اؤكد لك، أن جوعك مستدام. ألم تلحظ خلال هذين العامين فقط، كيف خسرت راتبك، وليرتك، وعملك، ومدخراتك النبيلة جداً، وهي من عرق جبينك وكدك؟ ألم تكتشف أن “حراس الهيكل المالي” كانوا حرامية، في كل المناصب؟ ألم تدرك انهم افتعلوا، نعم افتعلوا، خلافاً اقليمياً زائفاً، لتغطية فضيحة إفقارك وإفقارنا جميعاً، باستثناء الحماة اللصوص؟ ألم تسأل لماذا مجالس السياسة والقرار والنيابة والوزارة والاحزاب، تشتبك ليل نهار، في قضايا كاذبة، وكاذبة جداً؟ أنت ومن معك مثلك، هل سمعتم بالبطاقة التمويلية منذ عام ونيف؟ ألم تلاحظ حدة خلافاتهم المستحيلة، والتي لا تقوى عليها وعلى حلها، دول عظمى، فاشتبكوا كلاميا واصطفافيا وطائفيا، وبدأوا حرب تسميم اللبنانيين بالاتهامات المتبادلة…حرب كلامية غير مجدية، على سقوف بلد ينهار عليك وعلى من يجوع مثلك.
أيها الجائع، “جوع قد ما فيك”. انهم غير مهتمين، حتى برغيف الخبز. كل يوم اخبار جعجعة، عن مؤامرات ودول غربية وفي الاقليم. تحوَّل لبنان إلى منشرة، ينشر عليها غسيل قذر وذو رائحة بترولية، وذو نزعات مذهبية وطائفية.
أنت، أيها الجائع عن جد، أنت لبناني عن جد، ليس عندك وطن غيره… زعماؤك منتشرون في عواصم كبرى وصغرى ووسطى، ويتحدثون عن علاقات ومؤامرات ولبنان ساحة… كل هذا لا يتعدى السمع ابداً. معزوفة قديمة جداً. لبنان منتشر على كل جبهات العداء المتبادل، من فلسطين إلى سوريا، إلى العراق، إلى إيران، إلى اليمن، إلى اميركا، إلى الغرب، وحتى… إلى “اسرائيل”.
وأنت، ما أنت فاعل؟ الم تدرك انها طواحين هواء. ولا أحد سيغلب احداً؟ تنبه جيداً. ما يقولونه هو للسمع. لشد العصب. فلا خبز ولا دواء بعد اليوم. سيعيشون على مخدرات التعصب… فليذهبوا إلى الجحيم.
أيها الجائع، لست وحدك. تجرأ على الفعل. اياك أن تتأقلم مع الخوف. الفقر ليس قدراً. الفقر له من يصنعه ويهندسه. الرأسمالية المجنونة مجرمة. المصارف المستورة والمحصَّنة بالسرية (يا لها من سرقات!) تفقر الفقير وتغني الغني. ألم تلحظ أن المصارف صامتة جداً، ومصرف لبنان قلعة موبوءة ومكتومة؟ ألم تسمع كيف يشهرون بعضهم بعضاً، ثم ينامون في فراش واحد، ونسلهم فضيحة مقدسة لا تمس.
لا تحزن. ليكن الوجع والجوع، وقود وعيك وعصب قبضتك. لا تستسلم ابداً. عدوك الزمن. لا تراهن عليه. انه زمن عضوض. فعلت مخالبه بأجسامنا ووجوهنا. خسرنا كثيراً، ولكننا لم نخسر شجاعتنا.
إياك أن تلجأ إلى العد. أو، أن تقلل من ثقتك بنفسك. لا تقل نحن قلة. نحن عشرات او مئات او أكثر قليلاً، مقابل ملايين مصطفة طائفيا. أحيانا، المليون يساوي صفراً.
الذي يحدثك بهذا الكلام، هو ابن تجربة مرة. حدث أن وقعت الحرب الكونية. أمر جمال باشا بتجنيد اللبنانيين لإرسالهم إلى سفر برلك. أخذوا جدي، معيل العائلة. ترك في الضيعة اماً وسبعة اطفال. ثم جاء التحصيلدار. أنذر جدتي بدفع الضريبة. لا مال معها. صادر ماكينة الخياطة. صار البيت بلا مدخول. عملت جدتي غسالة في بيوت الناس. اصيبت بسبب عملها، بالجدري. أخذوها إلى المحجر في كعب الوادي. كرتنوا عليها حتى ماتت. ذات يوم، حمل ابي اخته الرضيع ليتسول عليها. يعني يشحد عليها. ذات يوم، لم يسمع صوت بكائها. ماتت بين يديه، وكان عمر ابي سبعة اعوام.
الجوع كافر. وواجبنا أن نهزم اعداء الرغيف.
لست وحدك أيها الجائع. أنتم آلاف. فابدأوا معركة الرغيف.
لا تحزن ابداً. بل اغضب. “احبك غاضباً متمرداً، في ثورة مجنونة وتمزقِ. أبغضت موت النار فيك، فكن لظىً، كن عرق شوق صارخ وتمزقِ” (عن نازك الملائكة!)
لن تخسر في المجازفة غير جوعك، غير رغيف خبزك. قل: ” كلما فتشت عن نفسي وجدت الآخرين. وكلما فتشت عنهم، لم أجد فيهم سوى نفسي الغريبة، هل أنا القرد الحشود؟ (عن محمود درويش). إذا، كن حشوداً غدا. من هم مثلك يضيئون الطريق، ويكشحون العتمة.
أيها الجائع، كف عن طلب الخبز الكفاف ليومك. دع الماضي والحاضر خلفك. انظر أنت إلى ما انت عليه، وما انت ستكون، يوم تحرر رغيفك ودمك ووجودك من غلالة الفقر والجوع.
لا طريق للخلاص إلا بما تصنعه القبضات. كن جديراً بالحياة.
ما اكتبه لك وعنك، ليس قصيدة او نبوءة ابداً. أنت امام خيارين اما أن تجوع ويقتلك صمتك، وإما أن تنتفض ويحييك أملك.
كم من الوقت كي تنتصر؟
تنتصر، عندما تهزم الموت، بالتجرؤ على عبيد المال وعبيد الآيات والعقائد والافكار.
وحده صمتك يقتلك. فلا تصمت ابداً وأنت الأقوى. واجه اللصوص في عقر دارهم.