من يُفسد من: هل تقدر الادارة على إفساد السياسة والسياسيين، أم ان أهل السياسة بأغراضهم ومصالحهم وتطلعاتهم الى النفوذ والمزيد من النفوذ، هم الذين يُفسدون الادارة لتغدو أداة طيعة في أيديهم؟!
من له سلطة القرار في التعيين، وفي اختيار المواقع »الأنسب« من بين المرشحين؟ من يتدخل لترفيع هذا وإبعاد ذاك أو لتقديم هذا على ذاك، أو لوضع هذا »بالتصرف« ويطلق لذلك حرية »التصرف« بما بين يديه؟!
ان اتهام الادارة بالفساد، ورفع الشعارات عن ضرورة »التطهير« والاصلاح الاداري، يكاد يتكرر مع كل عهد، بل ومع كل حكومة، حتى ليبدو كأن كل الموظفين وكبارهم قبل الصغار مجموعات من الفاسدين والمفسدين في »الجنة« التي تعب في بنائها، بطهارة كلية وبنزاهة مطلقة، ذلك السرب المبارك من الساسة الملائكة الأبرار!
لقد غدا اتهام الادارة بالفساد عذراً دائماً للقصور والعجز عن الإنجاز.
لكن الناس يعرفون، وأمام اسم كل مدير يضعون اسم »النافذ« الذي قاتل حتى انتزع القرار بتعيينه، وبالتالي فإن اتهام الادارة والمديرين بالفساد إنما يعني بداية وانتهاءً تأكيد تهمة الفساد في السياسيين، بدءاً من قمة السلم وحتى آخر المعدودين بين النافذين.
أما المستثمرون، المطموح الى استدراج أموالهم لتسهم في بناء البلاد، فإنهم يعرفون »كلمة السر«، وموقع »المفتاح«، ولذلك فإنهم يتوجهون دائماً الى أهل الحكم والنافذين من السياسيين القادرين على اختراق الحواجز القانونية بكفاءة »الأصدقاء« من الاداريين »الصالحين« الحريصين على المصالح الوطنية العليا.
هل يمكن ان يطمع اللبنانيون مرة بأن يرفع السياسيون يدهم عن الادارة، ويتركوها تعمل، ولو بارتباك، أو بتعثر، بدلاً من إجبارها على مخالفة القانون إنفاذاً لإرادة صاحب الأمر، وخوفاً من ان يخسر »أبناء الادارة الجارية« الدنيا والآخرة؟
ان أخطاء الادارة قابلة للتصحيح، وأضرارها محدودة، ما دامت بعيدة عن أصحاب السلطان وأغراضهم… الثقيلة!
ان اللبنانيين يعرفون الكثير عن أخطاء السياسيين، ويحتسبون من ضمنها ارتكابات بعض الاداريين الذين »رزعوا« لإنجاز تلك »الأخطاء« الموصوفة.
وقد يكون هذا »التوازن الهش« الحالي في مركز القرار سبباً في أن ينجح أهل الادارة في إنجاز حد أدنى من الاصلاح، يخاف السياسيون من مقاومته حتى لا يكشفوا ضلوعهم في الفساد جميعاً، السياسي والاداري والاقتصادي بكل نتائجه الاجتماعية الخطيرة.